زهير السراج

زهير السراج يكتب: ملاحظات بروفيسور مهدي امين التوم

ليس غريباً أن تشوب المسودة النهائية للاتفاق السياسي بعض الهنات سواء من ناحية الشكل أو المضمون، واظن أن هنالك حاجة إلى ضبط بعض الاجزاء من ناحية الصياغة القانونية والدستورية منعاً لتعدد التفاسير الذي ربما يؤدي لاحقاً الى اختلافات وخلافات، بالاضافة الى إلى ضبط لغوي يليق بالوثائق الرسمية التاريخية.

* اولا، آخذ علي المبادئ العامة الإبقاء علي إتفاق جوبا بحذافيره كجزء لا يتجزأ من الدستور، بل يعلو على الدستور، وهو في رأيي إتفاق معطوب يستحق الإلغاء أو المراجعة الجذرية، وكان من الأنسب الإشارة إلى هذه الإمكانية لأن الإشكاليات التي أحدثها لا تخفى علي الناس، كما آخذ على المبادئ حديثها عن ضرورة إشراك كل أهل السودان في إدارة ولاية الخرطوم دون غيرها من بقية الولايات وهو ما يمثل عندي تمييزاً غير حميد، فمَن هم سكان الخرطوم، أليسوا كلهم إقليميين في الأصل، ولماذا لا يشترط الدستور مشاركة أهل الخرطوم في إدارة الولايات الأخرى لتكون المعاملة بالمثل في الوطن الواحد؟!

* ثانيا، تبنت المسودة الهيكل الولائي القائم دون تعديل مُفوِتة فرصة تصحيح ما حدث من خلط في هيكل السلطة بعد اتفاق جوبا الذي جعل من ولايات دارفور الخمسة إقليماً واحداً له حاكم، وأعطت جنوب كردفان و النيل الازرق أوضاعاً خاصة في شكل حكم ذاتي، بينما تركت بقية السودان في وضعه الولائي الذي أسبغته عليه الإنقاذ بدون أسس علمية، بينما كان الأفضل اقتراح إعادة تقسيم السودان إلى أقاليم أو وحدات إدارية كبرى بدل الإبقاء علي التشرذم الولائي الحالي غير المقنع علمياً و إدارياً، وغير المجدي إقتصادياً.

* ثالثا، عدم تحديد موعد لتشكيل لمجلس التشريعي ثغرة كبيرة خاصة إذا تذكرنا أن الدستور الإنتقالي بعد الثورة كان قد حدد تسعين يوماً لقيام المجلس التشريعي ولم يظهر له اثر حتى اليوم، فهل نعيد تكرار التجربة الفاشلة مرة أخرى، كما تتحدث المسودة عن عضوية تمثيلية في المجلس وتعطي أي جهة الحق في تغيير ممثليها متى شاءت وكيف شاءت، وهو ما يمكن أن يحدث فوضى و ربما تغييرات مستمرة في عضوية المجلس ستنعكس سلباً علي أدائه.

* رابعا، من المؤسف أن يكون الشرط التعليمي لعضوية المجلس التشريعي هو مجرد الإلمام بالقراءة و الكتابة، وهو ما لا يليق بدولة في القرن الحادي و العشرين، فلماذا لا تكون الشهادة الثانوية هي الحد الادنى المطلوب لنرتفع بالأداء البرلماني خطوات فوق ما عهدنا طوال العقود الماضية، كما ان عدم تحديد فترة زمنية لملء المقعد الشاغر بالمجلس قد يضر بأدائه ويخل بنسب التمثيل.

* خامسا، الجزء الخاص بمجلس السيادة فيه عدة ثغرات فليس هناك تحديد لعدده، ولا لكيفية إختيار أعضائه، كما لا توجد إشارة لطبيعة رئاسته هل هىَّ دائمة أم دورية، وإن كانت دورية كيف ستُنظم، كما ان الجزء الخاص بإختصاصات مجلس السيادة فيه خلط شديد بين كلمتي (تعيين) و(إعتماد) ويحتاج الى مراجعة وضبط النص، ولا يكفي وجود جملة يبدو انها أضيفت علي عجل في نهاية الفصل تشير الى إن (الإعتماد) يعني ( التوقيع)، لإزالة الخلط.

* سادسا، يبدو أن ثنائية الجيش و الدعم السريع باقية حسب نصوص الاتفاقية وهو واضح في إختصاصات مجلس السيادة التي تنص على انه القائد الأعلى للجيش والقائد الأعلي للدعم السريع ، وانه الذي يعتمد ويعين قائد الجيش، ويعتمد و يعين قائد قوات الدعم، وهىَّ ثنائية ما كان يجب أن تُثبت في الوثيقة بهذا الشكل الذي يبقي علي وضع شاذ لا يقره نظريا حتى قانون قوات الدعم السريع.

.
* سابعا، الفقرة الخاصة بإختيار وإعتماد مدير الشرطة ومدير المخابرات ومدير ديوان المراجع العام تحتاج إلى ضبط لتأكيد سلطة رئيس الوزراء في هذا الشأن دون لبس أو غموض تأكيداً لمدنية الحكم.

* ثامنا، أخطر ما جاء في مسودة الإتفاق إختفاء كلمة ( مستقل ) من شروط تعيين رئيس الوزراء والوزراء والإكتفاء بتعبير ( كفاءات وطنية)، مما سيفتح الباب لعودة رموز حزبية للجهاز التنفيذي تكراراً لتجربة دكتور (عبدالله حمدوك) في حكومته الثانية التي انتهت الى ما نحن فيه من تيه وبؤس، وكنت أتمنى ان يتفرغ الحزبيون لشؤون ما بعد الإنتقال، ففي المستقبل متسع لهم عبر تفويض شعبي مباشر وإنتخابات حرة لن تكون سهلة، وتتطلب جهوداً تنظيمية وسياسية ضخمة يحتاج السياسيون الحزبيون للتفرغ لها تماماً خلال الفترة الإنتقالية.

* أخيرأ، ارجو أن يتم ضبط الوثيقة علي ضوء ما يرد من ملحوظات، وأن يتم إقرارها وتنفيذها حسب التوقيت المرسوم في إستعادة مستحقة لحُكم مدني ديمقراطي سالت دماء عزيزة من أجله، ويتطلع أهل السودان جميعاً لتوطينه وإعادة بناء الوطن تحت ظلاله.

* كان ذلك ما كتبه استاذنا البروفيسور (مهدي أمين التوم)، واعتذر عن الاختصار لضيق المساحة بدون الإضرار بجوهر الموضوع، راجيا الأخذ بملاحظاته القيمة.

صحيفة الجريدة