ممانعون أم ممنوعون ؟
( الممانعين نحن بنقول ليهم تعالوا أقروا الكلام المكتوب دا وشوفوه، إذا لقيتوه ما بتوافق معاكم أقعدوا مع الناس وقولوا ليهم والله الحاجة دي ما بتنفع معانا ) .. ( نحن بنسمع أنو هذه العملية بقودوها الأجانب، أبداً، هذه العملية نقودها نحن السودانيين مافي أي زول عندو بيها علاقة، نحن نؤكد إنها حقتنا برانا وحنواصل فيها برانا لغاية النهاية ) – عبد الفتاح البرهان
▪️ أضاف البرهان كلمة جديدة إلى قائمة الكلمات التي ضربها القحط وفقدت مدلولها، أعني كلمة ( الممانعين )، فقد استخدمها بطريقة مضللة تماماً، أولاً لأن الممانعين الحقيقيين هم جماعة المركزي الذين يرفضون “مشاركة” الآخرين، ويخترعون كلمة بديلة للمشاركة هي “الإغراق” ، وثانياً لأنه لا يعني بدعوته كل القوى خارج الاتفاق الإطاري وإنما حركتين فقط، وربما معهما الاتحادي الأصل, وثالثاً لأنه هو من أعطى الضوء الأخضر بالمضي في الاتفاق النهائي بدونهم !
▪️ عندما يريد أن يمتص غضب الأغلبية، يهاجم المركزي، ويطلب منه التخفيف من ( ممانعته) والقبول بمشاركة الأطراف ( المتفق عليها )، وعندما يريد أن يمضي خطوة إلى الأمام مع المركزي، يعرِّض بالقوى ( الممانعة )، ويطلب منها الاطلاع على أوراق المركزي التي تضع السودان في حدقات العيون، وتعديل ما يريدون تعديله منها !
▪️ هو في الحقيقة لا يملك صلاحية تمكين القوى السياسية، من الاطلاع والتعديل، لا يملك هذه الصلاحية حتى مع الحركتين اللتين يقبل المركزي على مضض بفكرة إلحاقهما، فهو في الحقيقة “يعزم” القوى السياسية على مائدة ليست مائدته ! وإذا ذهبت إليه غداً كل القوى السياسية ( ما عدا … ) وطلبت منه الأوراق لتبصم عليها بلا تعديل، فهو لا يملك صلاحية تمكينها من هذا ( الترف )، دعك من أن تعدِّل !
▪️ قال إنه انسحب من التفاوض وتركه للمدنيين ، وثبت إنه ما انسحب إلا من التفاوض الجماعي، من أجل التفرغ للتفاوض الثنائي السري، ووقع مع ( الممانعين ) الذين يرفضون الحوار الجامع وثيقةً سريةً تؤجل مشاركة ( الأطراف المتفق عليها ) إلى ما بعد الاتفاق ! وتحتوي الأطراف الممنوعة من الالتحاق، ثم ذهب ليهاجم هؤلاء الذين وقع معهم بحجة إنهم يمنعون القوى السياسية من المشاركة، ثم ذهب إليهم ليوقع معهم وثائقهم النهائية، ولينتقد ( الممانعين ) الذين يرفضون المشاركة !
▪️ قال إنه – بعد أكثر من ثلاث سنوات من الجهل بحقيقتهم – لمس منهم وطنية وإخلاص وتجرد وحب للوطن وزهد في السلطة، لذلك توصل معهم إلى تفاهمات، ثم طورها إلى اتفاق إطاري . ثم ذهب ليشهر بهم على المنابر، ويصفهم بالإقصائيين، وبالمزيفين الذين يستعينون بالبدائل والخوالف، ثم عاد إليهم ليجلس بين “مزيف” و”بديل” ليطور الإطاري إلى نهائي وليعيد معزوفته الأولى عن وطنيتهم وتجردهم !
▪️ أما أدوار الأجانب، فإن هناك الكثبر الذي يدل على أن عدم الصدق فيها يعادل تماماً عدم الصدق في تحديد ( الممانعين )، ومن بين هذا الكثير الاعتراف الموثق وبأوضح العبارات من الرجل الثاني، الأكثر تمسكاً بالعملية الجارية، والأكثر دفاعاً عنها، وغير المتهوم بمحاولة تشويهها، والذي لم يجد ما يقوله ليدافع سوى القول إن التسيير الأجنبي طوعي !!
▪️ إذا انحاز العسكريون، الذين لا يبدو عليهم الزهد في السلطة، إلى الأطراف التي تقول إنها الأكثر حرصاً على إبعادهم، وضد الذين لا يمانعون في مشاركتهم في السلطة في الفترة الانتقالية، فلا بد أن هناك تحت الطاولة ما يفسر هذا السلوك الذي يفشل علم السياسة، وحتى علم النفس، في تفسيره !
▪️ وإذا قبل العسكريون الإقصاء لأنفسهم بسبب هذا السر الخفي، فإنه من الطبيعي أن يكونوا لإقصاء غيرهم أكثر قبولاً !
إبراهيم عثمان