منى أبو زيد تكتب: نيران صديقة جداً..!
هناك فرق
منى أبو زيد
نيران صديقة جداً..!
“المسؤولية هي ثمن العظمة”.. ونستون تشرشل..!
ورثة الربيع العربي في بلاد الثورات ظلوا يدفعون فواتير القتل غِيلةً أو الموت انتحاراً على مذبح الاحتجاج السياسي، إلى الحد الذي طالبت فيه بعض الأحزاب المصرية حكومة بلادها – بعد سنوات من اندلاع الثورة – بوزارة مُختصة بالحرب على الإرهاب، وهذا يعني باختصار أنّ التّاريخ في مصر ما بعد الثورة كان يعيد نفسه بتصرف..!
المسؤول الأول في تقديري هو الإعلام المصري الذي سمح لنفسه يوماً بتأجيج مخاوف الشعب واستبطأ حكمه النهائي على تجربة الإخوان، بينما الحل الوحيد لغربلة حقيقة الحركات الإسلامية – أو غيرها – هو عدم الوقوف في طريقها إلى الحكم وعدم استعجال منتوج تجاربها المثيرة للجدل..!
الوعود الانتخابية في القطارات السياسية ركاب في غاية الخفة ويسهل جداً إلقاء جثثها من النوافذ عند محطات الوصول، لذلك تبقى أقصر الطرق لمعرفة استحقاق الغير للثقة هي أن نعطيه إيّاها فينجح ونرتاح، أو يفشل فنستريح. وتاريخ مصر سيحفظ لإعلامها مسؤوليته عن مآلات الثورة ومصائر ورثتها من الإسلاميين ومصائر ضحايا غزواتهم وثاراتهم..!
الإعلام العربي هو المسؤول أيضاً عن إثارة عاطفة الجماهير وعن إضرام توقها نحو مواقف البطولة والمجد وعن وقفات الشارع السياسي الذي خرج على نفسه وبات مصلوباً في وقفة إعزاز عظمى لأبطال القتل والانتحار تحت شرفات الحكام والمسؤولين، أو قاب قوسين أو أدنى من أبواب المعارضة الرسمية التي لا تسمن ولا تغني من جوع..!
الإعلام العربي هو الذي صوّر البوعزيزي التونسي بطلاً أكثر شجاعة من فرسان الخوارج لأنه قضى نحبه ولم ينتظر، بينما الرجل – في حقيقته – ليس صلاح الدين الأيوبي الذي قاتل بسيفه حتى قال الأعداء كفى، بل هو مواطن مسكين مغلوب على أمره وقع في مصيدة الانفعال، وليته استثمر مقدرته على مواجهة الموت في إضرام ثورة تغيير. هكذا يجب أن يكون عبور الإعلام المسؤول عبر مآزق المواقف السياسية..!
أما الإصرار على وصف ذلك السلوك الانتحاري بالبطولة والشجاعة فذاك هو الهوس الجماعي الذي يصيب المجتمعات عندما ينهك فكرها الغبن ويتلف أعصابها طول الصمت والظلم والقهر. تلك هي أنصع حقائق عصر العلم الذي تحرر فيه مفهوم البطولة من أسطرة الخرافة..!
الهوس بالثأر والانتقام والتخريب والدمار يسلب المجتمعات المسلمة أعز مقومات تمايزها واستقلاليتها، وتلك الهستيريا الجماعيّة هي طبيعة المجتمع الإسرائيلي ذي الهوية الجماعية القاتمة وليس مجتمع خير أمة أخرجت للناس..!
الإعلام المصري هو الذي صنع الإرهاب الجديد في بلاده – بعد انتصار الثورة – بانسحابه المبكر من معارك الديمقراطية ووقوفه في صفوف المرجو والمأمول على حساب الواقع الانتخابي والمسؤولية الأخلاقية، وعلى حساب الحياد المهني الواجب والمندوب والمباح. وها نحن نقف اليوم أمام ذات الامتحان الإعلامي، فهل يا ترى من مُذَّكِر..؟
صحيفة الصيحة