محمد عبد الماجد يكتب: الكيزان كانوا أحسن!
(1)
مع ان الحياة تكاد تكون متوقفة بعد سقوط نظام الانقاذ في 11 ابريل 2019م ورغم مرور قرابة الاربع سنوات من هذا التاريخ واجتهاد الفلول ودول المحور الاقليمي ما ظهر منها وما بطن في افساد الحياة في السودان وفوضويتها إلا أن الاوضاع بصورة مطلقة الآن افضل من الاوضاع في عهد الانقاذ في الفترة ما بين انقلاب 30 يونيو 1989م وحتى سقوط الانقاذ في 11 ابريل 2019م قياساً على فساد العهد البائد ومحسوبيته والعزلة التى كان يعيش فيها السودان، والانهيار الذي كان نساق اليه والإبادات التى تمت والانفصال الذي حدث، اما من الناحية الاقتصادية فنردكم الى السنوات الاولى للإنقاذ عندما كانت العيشة ضنكا وكان الحصول على علبة (صلصة) يعتبر (كنزاً) يدعو للاحتفاء والفخر ، وأصبحت الاوضاع الاقتصادية أسوأ من ذلك في الفترة الاخيرة للإنقاذ التى كانت فترة خالصة للصفوف.. فقد كانت صفوف الخبز والبنزين والغاز والمواصلات العامة ومراكز غسيل الكلى تمتد حد البصر، بل ان صفوف العملة المحلية امام البنوك والصرافات الآلية كان يتم المبيت فيها بعد ان تحولت الى معسكرات.
كل الذين يتضجرون الآن ويهمسون سراً او علناً فيما بينهم ويقولون ان العهد البائد كان افضل وان فترة الكيزان كانت احسن نردهم الى الصفوف التى كانت تمتد لكيلومترات امام طلمبات الوقود ومخابز الرغيف.
الآن هنالك وفرة في كل السلع ، وعروض مختلفة لكل الاصناف والأنواع في المخبوزات بجودة متفاوتة وأسعار مختلفة .. كما انتهت ازمة المحروقات وانتهى معها التهريب والفساد الذي كان يتم في هذا القطاع وأصبحت الصفوف في المواصلات للمركبات التى تنقل الركاب وليس للركاب.
القتال في العهد البائد كان من اجل (العيشة) والآن القتال اصبح من اجل (العيشة الكريمة).. وهذا فرق عظيم.
(2)
لا ننكر ان المعاناة ما زالت موجودة وان الحياة شاقة وصعبة والأسعار ارتفعت بصورة جنونية مع تفلتات في الامن والنظام العام وتوقف وتعطل الحياة في جوانب كثيرة، لكن كل هذه الاشياء تبقى اموراً طبيعية في مرحلة الانتقال وهي معاناة خلفها النظام البائد وعمل واجتهد من اجل ان تبقى وتستمر، لذلك نقول حتى المعاناة التى يعيشها الشعب السوداني الآن في الجانب الاقتصادي والسياسي هي صنيعة العهد البائد الذي اجتهد في ان يخلف وراءه كل هذه الصعاب والأزمات بعد ان زرع الفتنة بين فصائل الشعب وأوقد شعلة النزاعات بين القبائل وسلّح ثلثي الشعب واراد ان يقضى على الثلث الاخير الذي لم يكن مسلحاً ولم يكن معهم، والمؤتمر الوطني ما زال في مفاصل الدولة يعطّلها ويعيق تحركاتها… بل ان المؤتمر الوطني ما زال جزءاً من السلطة بقياداته ومليشياته.
ودون هذا فان الانتقال من العهد الشمولي الى عهد الحريات والمدنية امر يخلف وراءه الكثير من الازمات لهذا يجب ان تستمر التضحية وان ندرك ونفهم ونعي ان الثمن الذي يجب علينا ان ندفعه للوصول الى مدنية كاملة وحياة كريمة سوف يكلفنا الكثير.
125 شهيداً قدموا ارواحهم حتى لا تحدث الردة بعد انقلاب 25 اكتوبر 2022م فما الذي يجعلنا نبخل بالقليل من الصبر لاجل العبور والانتصار.
30 سنة من عمر السودان افسدت كل شيء ، حتى الاخلاقيات والمفاهيم والإحساس بالوطن.
لم يسلم منهم (الدين).
لن يتحقق لكم ما تصبون اليه وما تحلمون به بسهولة او يسر – حتى الوجود العسكري في السلطة الآن شكل من اشكال الفواتير التى يجب علينا ان نسددها.
(3)
الشعب السوداني ظل في الشارع لأكثر من اربع سنوات منذ 19 ديسمبر 2018م والشعب السوداني في حالة ثورة والثورة مستمرة .. هذا وضع يفقر وينتهي من أي دولة لولا وعي الشعب السوداني وعظمة هذا الوطن الذي لم ينكسر ولن يتراجع وهذه معادلة صعبة يحققها الشعب السوداني.
يمكن ان تحدث تفلتات ويمكن ان يحدث تفكك ومعاناة وغلاء .. لكن كل هذه الاشياء مقدور عليها .. وكلها سوف تجبر وتصلح إن شاء الله.
أي ثمن تدفعوه الآن لا يساوي شيئاً امام الذي كنتم تدفعونه في العهد البائد عندما كانت المركبات العامة توقف في الطرق العامة وأمام مداخل المدن لإنزال الركاب وإجبار ابنائكم على الحرب في الجنوب .. كان ابناؤكم يحرمون من اسرهم ومن تعليمهم ويخرجون من الجامعات والمدارس الثانوية ليقاتلوا من اجلهم وهم ينتقلون بين العواصم الاوروبية ويحمل ابناؤهم الجوازات الاجنبية في الوقت الذي كان فيه ابناؤكم في احراش الجنوب.
لقد عاش الشعب السوداني (الذل) كله في العهد البائد ..للحد الذي كانوا يمتنون فيه على الشعب السوداني بالسكر والقمصان والبيتزا والهوت دوغ في الوقت الذي كان فيه رئيس الجمهورية ملاحق من قبل المحكمة الجنائية الدولية .. ونحن كنا ندفع ثمن ذلك.
تخيلوا ان رئيس جمهورية ملاحق من المحكمة الجنائية في جرائم تتعلق بالإبادة وهي جرائم ضد الانسانية وهو تمت محاكمته على تجارته وهو رئيس جمهورية في العملات الصعبة يمتن على شعبه بالبرجر!!
لا تنسوا تجارتهم في الدين ،ليت الامر وقف على التجارة في العملات الصعبة!! فهم تجار دين ،عندما كانوا لا ينسون نصيبهم حتى من علاوة الزوجة الثانية وهم يرفعون شعار (كل شيء لله).
اياكم ان تنسوا عقاراتهم في تركيا وماليزيا وامتلاك وزير منهم بدأ من منسق للدفاع الشعبي لـ (99) قطعة ارض وامتلاك قيادي فيهم من الصف الخامس لأكثر من الف دكان في موقف جاكسون وكيلو متر على شاطئ النيل في الخرطوم وهم يرفعون شعار (ما لدنيا قد عملنا).
لا تنسوا فسادهم في التعيين في الوظائف العامة وفي الحصول على الفرص والمنح الدراسية بما في ذلك فرصهم في الحج والعمرة وهم يرددون فليعد للدين مجده.
اكلوا اموال اليتامى والزكاة والأوقاف وشوهوا سمعة السودان في سفاراتهم الخارجية وبعثاتهم الدبلوماسية وسدوا الافق على كل الطامحين والحالمين بالعزلة التى فرضوها على السودان.
اياكم ان تنسوا ذلك ..لأن الذاكرة السودانية خربة.
ابقوا على العهد واعلموا ان المستفيدين من العهد البائد كانوا كثر وهم يتحركون في الاجواء التى يرتفع فيها (الاحباط).
لا تحبطوا ولا تنكسروا .. لقد مضى الكثير ولم يتبق إلا القليل.
لا تهزموا احلامكم وطموحاتكم بالإحباط ..لأن سلاحنا الذي نقاتل به الآن هو حلم الغد المشرق والوطن العظيم المنتصر.
(4)
بغم
طبيعي جداً ان يقول لك أي كوز : (الكيزان كانوا احسن)… فقد حرموا من الكثير وعاشوا على الاقل الآن المعاناة مع الجميع.
أي مواطن في السودان الآن يمكنه ان يقول : (لا) وهذه قيمة يعرفها الاحرار ولا يدركها إلا من يفتقد نعمة الحرية.
وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).
صحيفة الانتباهة