الزراعة بالشمالية .. واقع بائس ومصاعب جمَّة
الزراعة بالشمالية.. واقع بائس ومصاعب جمَّة
أمراض فتَّاكة أصابت الزراعة.. فمن المسؤول؟
عبد المطلب: على الدولة تحديد الأراضي الزراعية وتخطيطها بشهادات بحث
شاهر: الزراعة مهنة طاردة بفعل سياسات الدولة
عامر: الفقر يسود المنطقة لهذه الأسباب (…)
مهدِّدات كثيرة تحيط بالزراعة المروية، تفرِّخ عنها معاناة بالغة يشكو منها المزارعون بالولاية الشمالية الذين ما زالوا يحاربون لأجل استمرار المهنة .
منهم من ترك وظيفته التي كان يعيش منها ليساهم في دفع الاقتصاد من خلال استزراع بعض الأراضي ومنهم من تصرَّف في كل أملاكه من أجل تنمية القطاع غير أن الخزلان كان حليفهم وظلت تلاحقهم سلسلة طويلة من المشاكل والعقبات في ظل عدم اهتمام الدولة لأمرهم وغيرهم من العاملين في القطاع الزراعي.
تلقت (الصيحة) شكاوى عديدة من المزارعين ورأت ضرورة سردها في هذه المساحة.
استثمار أعمى
عبد المطلب حمدي سعيد، اختار بعد تخرجه في الإنتاج والاستثمار الزراعي العمل في نفس مجاله، فاستثمر في أراضي الأسرة في الشمالية وأراضي أخرى قام بتأجيرها من أصحابها، يشكو مر الشكوى من سياسات الدولة في منح المستثمر في الحقل الزراعي الأراضي.
فبالرغم من أن هذا القطاع يشكِّل رأس الرمح في اقتصاد السودان، إلا أن حمدي يشير إلى عقبات تمثلت في صعوبة الحصول على الأراضي الزراعية وطول الإجراءات والزمن الذي يمتد لشهور حتى يتحصَّل على قطعة الأرض بعدها عليه استصلاحها بعد دفع الرسوم والجبايات المقرَّرة في غياب حوافز للاستثمار الزراعي مما يتطلب منه البحث عن مصادر المياه .
يقول حمدي لـ(الصيحة) مصادر المياه أما آبار جوفية أو من النيل، وهذا الأمر فيه تكاليف عالية لرفع المياه من الآبار الجوفية، بالتالي يصبح المستثمر في حاجة إلى طاقة، أما التيار الكهربائي الذي لا يوجد في كثير من المناطق وأن وجد تعريفته عالية جداً ويرفع من تكلفة المنتج، أما عن طريق الوقود وهذا يؤدي لرفع الأسعار وعدم توفرها دائماً.
بديل ولكن!
يواصل حمدي سرده لمعاناة المزارعين الذين اتجهوا إلى إيجاد بديل للكهرباء وهو الطاقة الشمسية، لكنهم واجهوا معاناة أخرى، إذ أن ألواح الطاقة الشمسية في السودان أسعارها عالية مع رداءة النوعية وعدم توفر ضمانات كافية رغم أنها المناسبة مع مناخ السودان في الطاقات المتجدِّدة، فضلاً عن غلاء أسعار الطلمبات الساحبة للمياه من النيل لزراعة مساحات محدودة يتراوح سعر الواحدة منها بين (٨٠٠٠) ثمانية آلاف دولار، إلى (٦٠٠٠) ستة آلاف دولار، وهذا المبلغ كبير لمزارع يزرع فدادين محدودة بالتالي ترفع التكاليف.
استرسل حديثه بالقول: الغريب بعد أن تمنحك الوزارة الأرض الزراعية وتقوم باستصلاحها عليك أن تمنح ٢٥٪ من المساحة التي حدِّدت لك للمجتمع المحلي ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل هناك أتاوات يدفعها المزارع، فضلاً عن معاناة أخرى من الأهالي بحجة أن الأرض أرضهم فكثيراً ما تصل المشاكل إلى المحاكم وهذا يأتي خصماً على الوقت والمال.
يرى من الأوفق والأصح أن تحدد الدولة الأراضي الزراعية وتستصلحها وتخططها بشهادات بحث على أنها أراضي الدولة ومنحها للمستثمرين وفق شروط للاستثمار وبعد دفع كل قيم الاستصلاح حتى لا يواجه المستثمر العقبات، كما يمكن للدولة أن توفر الطاقة الكهربائية لتلك الأراضي الزراعية بأسعار مدعومة ومعقولة للإسهام في انعاش اقتصاد البلاد بما يشكَّله من توفير حاجيات الناس الأساسية وإيقاف الاستيراد، بل العمل على تصدير المنتجات الزراعية لتوفير النقد الأجنبي وهذا لا يتم إلا بإزالة العقبات وتقليل تكاليف الإنتاج حتى ينافس في الأسواق الإقليمية.
يقول: “هناك عقبات كثيرة واجهتني شخصياً في مجال الاستصلاح وهي عدم وجود مهندسين زراعيين لديهم خبرات وللأسف تعاملت مع عشرات المهندسين كل واحد فيهم لديه رأي مختلف عن الآخر يبدو أن البلاد في حاجة إلى كوادر مؤهلة وتدريب”، واصفاً سياسات الدولة في تعاملها مع السلع المنتجة محلياً بـ”الخطيرة” مشيراً إلى عدم الحماية من الدولة للإنتاج المحلي رغم جودته أكثر من المستورد رغم ذلك فإن تكاليف الإنتاج عالية مما يقلِّل فرص المنافسة، قال كمثال لذلك الفول المصري المستورد الردئ ينافس الفول المصري المنتج محلياً والمعروف بجودته وإنتاج طبيعي، ثم التمر السوداني الجيِّد ينافس التمر المستورد من دول الإقليم وهو أقل جودة من المحلي، ويتم استيراده بالنقد الأجنبي وهذا الأمر ينعكس سلباً على سعر صرف العملة المحلية.
حماية المنتج
وشدَّد حمدي، على ضرورة حماية المنتج المحلي بسياسات محدَّدة للسلع التي يتم استيرادها، في ظل الغياب التام لمحفظة التمويل الزراعي في المصارف السودانية إلا في نطاق ضيِّق وهي لا تشكِّل نسبة تذكر مع حجم السودان الزراعي وهذا يعني غياب الاستراتيجية الحقيقية للدولة في التشجيع والتحفيز للقطاع الزراعي بشقية.
أما المزارع شاهر عبد الحليم، فقد سرد مشاكل الزراعه المروية من خلال تجربته في السنوات الماضية في العمل بالقطاع، هو مراجع قانوني إلا أنه اختار الاستثمار في الزراعة تاركاً العمل المكتبي ليساهم في الاقتصاد الوطني وتعمير أراضي أسرته بمنطقة (تبج) محلية عبري، لكنه اصطدم بواقع مرير في الإنتاج والتسويق.
قال شاهر لـ(الصيحة): ساهم ارتفاع تكاليف الزراعة وضعف التسويق والتمويل البنكي وانكماش فترة السداد من سنوية إلى نصف سنوية في إحجام الغالبية من ممارسة الزراعة، لأنها أصبحت مهنة طاردة وغير مشجعة .
يضيف أن ارتفاع سعر الجازولين أدﻯ إلى زيادة تكاليف التحضير وتجهيز الأراضي من حراثة بمبلغ للفدان ومن ثم تجريف وقطع المساحة لأحواض بسعر آخر يحسب بعدد الساعات المستهلكة .
مشكلة تقنين
يواصل شاهر، معظم المشاريع الزراعية تستخدم الموتورات الكهربائية وهي غير مقنَّنة، لأنها لم تجد حظها من كهربة المشاريع الزراعية التي تبنتها الحكومة كشعار لكنها فشلت في تعميم الفكرة،
فمعظم المزارعين يشترون الكهرباء بالسعر التجاري وهي باهظة السعر، كلما زاد الاستهلاك زادت الأسعار ومعظم المشاريع تقوم بتوصيل كوابل فوق الأرض من منازلهم إلى مصدر الموتور وهذه مصدر قلق للأهالي، فمن الممكن حدوث التماس كهربائي، لأن معظم التوصيلات تتم بصورة عشوائية تفتقد عنصر السلامة.
من ضمن العقبات التي ذكرها شاكر، عدم توفر التقاوى وإحجام البنك الزراعي عن توفر التقاوى المحسَّنة للمزارع مما تسبب في التدني الواضح في الإنتاج خاصة في إنتاجية القمح والبطاطس والطماطم والفول المصري، مشيراً إلى مشكلة عدم توفر السماد لاسيما اليوريا وفي كثير من الأحيان توجد خارج حسابات التمويل وتباع بالكاش من أجل توفير السيولة النقدية للبنك، قائلاً: في كثير من الأحيان نجد سعر البنك أعلى من السوق بفارق كبير، لافتاً إلى أن القمح يحتاج لجرعتين من اليوريا خاصة الجرعة الأولى التي يتوجب توفيرها عند الري، أما الثانية في حالة فشل المزارع في توفيرها في الوقت المناسب تعني فشل الموسم الشتوي، وشكا من غياب الإرشاد الزارعي ومكتب الزراعة بالمحلية والموجود مكتب إداري فقط يتوقف دوره في استخراج شهادة زراعية للمزارعين وهي لا تملك شيئاً من المعدات والآلات الزراعية من حاصدات وتركترات وغيرها فغيابها أدى إلى الاستخدام السيئ للمبيدات بصورة عشوائية مما أدى إلى تدني خصوبة التربة، ودعا إلى ضرورة أن تقوم البنوك بشراء كل المنتجات المموِّلة من قبل البنك بسعر تركيزي تشجعياً للزراعة.
إصابات متنوِّعة
أما المزارع عامر فؤاد أحمد حسن، من محلية حلفا، قال: لـ(الصيحة): يعتمد معظم سكان المنطقة اعتماداً كلياً على الزراعة والرعي في حياتهم، لكن أصبح الفقر يسود المنطقة، حيث أن الزراعة أصبحت لا تكفي حاجة المواطن حتى في قوته فقد أصبح الجميع يعاني افتقار الزراعة لكثرة مشاكلها المتمثلة في ارتفاع سعر الوقود الجنوني وقطع غيار الطلمبات وعدم استقرار منسوب النيل وانعدام العمال العاملين في مكافحة الأمراض والوقاية.
أشار خلال حديثه لـ(الصيحة) إلى ظهور أمراض فتَّاكة للنباتات والأشجار، حيث يستعصى معها إيجاد التيراب في معظم المواسم، موضحاً أن الأمراض
تتلخص في العسلة وهي حشرات صغيرة تسكن في أوراق النباتات وتنتج مادة عسلية سوداء على الأوراق وتؤدي إلى سقوط الأوراق وتآكل في الجذور وهذا الداء موجود بكثرة الآن، مشيراً إلى أن هناك مرض الصفار وهو عبارة عن حشرات بيضاء تكون على الأوراق كبقعة بيضاء وتصيب لون الورق بإصفرار وتبحت زهور النبات وتكرمش الأوراق الباقية وتصيب الحشائش ذات الأوراق العريضة والرفيعة التي تعوق إنبات الزرع في ظل عدم وجود مبيدات متنوعة لمكافحتها وعدم وجود الخبرة ونقص المواد الغذائية للنبات وانعدام آليات وأسمدةوارتفاع أسعار الأسمدة القليلة الموجودة مما يؤدي لعدم استعمالها لأنها تفوق قدرة المزارع.
مبدياً أسفه لإصابة أشجار النخيل بأمراض مجهولة الأسباب، حيث أصبح النخيل في بداية التقليح أي بعد شهر تبحت ٧٠% من الثمار،
وأيضاً أشجار الفواكه تزهر بدرجة تفوق الخيال، إلا أنها هي الأخرى تبحت الزهور مع وجود إصفرار في الأوراق بعد ذبول الزهر، موضحاً أن
كل هذا يحدث في مساحات ضيِّقة رغم وجود مساحات زراعية شاسعة تفوق قدرة المزارع وإمكانياته، مبيِّناً أن ضيق الحال لعدم وجود تمويل مصرفي في بداية المواسم وسوء معاملة نهج البنوك وتحديد المبلغ الذي لا يكفي حاجة الزراعة وضيق وقت السداد أدى إلى إحباط المزارع وابتعاده من الزراعة وفي حال وجد محصولاً فهناك مشكلة التخزين جراء وجود سوسة تؤدي إلى تلف المحاصيل وعدم وجود الأسواق القريبة للمزارع والترحيل إلى مسافات بعيدة تكلفتها تؤرق المضاجع ويسبب خسارات فادحة، مضيفاً أن كل هذا ومازالت الزراعة بدائية للغاية لعدم وجود آليات وحصادات زراعية ورافعات مياه مناسبة وكهرباء مستمرة رغم تمتع المنطقة بكل المقومات الشمسية لإنتاج الطاقة الكهربائية.
انتصار فضل الله
صحيفة الصيحة