عادل قسوم.. إيقاعات حياة
دعونا نترك جانبا تأثيرها على المحيّا والأهاب، ولنتجاوز البوح عن جمال ماضٍ أو حاضر لها لنصيخ السمع مليا الى (رتم) أعلم يقينا بأنه يتردد في وجدان كل منا، رتم لهذا السودان الذي أصابه القحط فاعتل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا واخلاقيا منذ أن أتانا هؤلاء النشطاء، فطيروا الوعي والمنهج، والركع لأسيادهم من السفراء والسفارات!…
ألا رحمك الله يا جدّي…
كم كان يغضب كلما رأي حرصَ أحدنا على شق التمرة للتأكد من سوسها، فكان ينهر مغاضبا:
ياولد أصغر منّك دوسو…
وكان أكثر زجره لنا في خفوت الصوت عند الحديث، وكذلك في جرجير الكرعين خلال مشينا …
محتوى مدفوع
ضربة قوية لبرشلونه
وكذلك في نومة أحدنا في ضل الصباح…
لكنني عندما كبرت وبدأت أعلم أن البعوضة قد تدمي مقلة الأسد، ورأيت في المختبرات ماتفعله البكتريا والفطريات بالفيل؛ بدأت صورة جدي تهتز قليلا…
فواقعي الجديد يفيد بأن الكيف هو ماعليه مناط التغيير لا الكم، والمنطق والواقع يقول بأن العقل والحس هو الأقدر على الفعل من بعد الإرادة لا العضل والشدّة…
ولكن برغم ذلك مافتئت صورة جدي بعنفوانه حية في الخاطر…
ودارت الأيام والسنون وبقي في الوجدان بقية أنحياز لجدّي، في كلياته ودوسه للصغائر…
سألت نفسي لماذا؟…
أتتني الإجابة بأنني عندما أجد من قلبي حزنا على (صغائر)، يطول بي الحزن لسنوات…
وكلما قصر مدى خطوي؛ يطول بي المسير…
ياترى أهو أستنكاف عن مبدأ الإعتراف بقناعة جدي
أم هو استصحاب لكليات الكيمياء التي درستها ووقائع الحياة التي أعيشها؟!
ضحكت امواج نفسي وقالت…لست أدري…
فشرعت أحاسب نفسي كلما سلمتها لميتتها الصغرى كل ليلة، قبل أن أصحو باكرا بكلّياتي فردا لأستقبل حراك حياة يوم جديد…
بالطبع كلنا يعرف كيف تكون طريقة مسح الاسماء من ذاكرة الهاتف، أذ يمكننا مسحها فرادى، لكنا -أيضا- يمكننا مسحها (جملة)…
وهنا تنبيني الايام بأن جدي كان محقا!…
فالأسد قد تصاب عينيه بقرني غزال ضعيف فيصبح أعمى، لكنه يبقى أسدا…
والنخلة قد تنخرُ ساقها سوسة لاتكاد ترى بالعين، لكنها لا تموت، وان ماتت لن تموت إلا واقفة…
وأعود الى جدي:
لقد كبر وترجلت دون فمه كل الأسنان، لكنه بقي يحب أكل التمر إلى أن لقي ربه…
كنت أراه (يفقش) التمرة على (كراع العنقريب) ليأكلها بعزيمة ودون يأس….
وعندما تثاقل به خطوه في أواخر عمره وأضحي يستغرق الدقائق الطوال للخلوص إلى لركن من أركان حوشه الفسيح، ما كانت البسمة تبارح محياه وهو يحادث الناس ويباشرهم…
فقد كان شيخا يحفظ القرآن، ويعلِّمه للناس في الخلوة…
وفي بدايات الليل كم كنت أجده يحتضن المذياع ليستمع الى مونت كارلو والبي بي سي، وكذلك يستمع ل(أنت عمري) من فيه أم كلثوم!…
وفي ليلة من الليالي ملأت له أبريقه وأتيت له بقطن وشاش ليطبب جرحا في رجله
ووجدته يدندن بأغنية لبندة والسعادة تغمر وجهه الصبوح،
فسألته:
– ألا يؤلمك هذا الجرح ياجدي؟!
فأجابني لي باسما:
– ياعادل لأن أقعيتَ إلى أَلَمِ مثل هذا الجرح الصغير فستهزمك الحياة!!!
ألا رحمك الله ياجدي…
(لا أدري لماذا تذكرت جدي وأنا أستمع وأشاهد اليوم أحد صبية قحت (المجلس المركزي) وقد اسمى نفسه الناطق الرسمي لها وكذلك اسمى نفسه هذه المرة مسمى جديدا له وصل بالحزب الاتحادي الديمقراطي بغير الاسم السابق، وهو الذي ظهر للناس وحفنة من رفاقه ئعدون على الأصابع باسم حزب (الاتحادي الديمقراطي المعارض) ثم اختفى الاسم الذي لم يسجل أصلا في سجلات الاحزاب السودانية التي يعرفها الناس.
هذا الصبي خلال لقائه بالأمس لوح للناس ب(مليارات) قال بانها كانت آتية للسودان، لولا انقلاب الجيش (بزعمه)، هذا الانقلاب تم فيه ابعاد رفاق له عن حكم -ماهم ببالغيه بانتخابات- انفردوا به لعامين ونيف، والسؤال الذي يفرض نفسه:
أما كانت فترة حكمكم تلك كافية ليعطوكم تلك المليارات كما اعطتكم المسؤلة الأمريكية العشرين مليون دولار باعترافها واعترافكم؟!
ثم لنفترض جدلا بأن المجتمع الدولي لديه وقد رصد بالفعل مليارات أخرجها من اجل سواد عيون الشعب السوداني، ياترى هل انتم مؤهلون ولديكم أمثلة موجبة تشهد لكم بالانفاق والبذل لهذا الشعب الذي تسببتم في افقاره وبهدلة عملته مقابل الدولار منذ قدومكم؟!
فقد استلمت حكومتي حمدوك أموالا ليست بالقليلة،
ثم أين ملايين منظمة الصحة العالمية التي دفعت لوزارة الصحة ايام وزيرها دكتور أكرم وتم التصرف فيها وتسبب اعتراض الرجل إلى مغادرته الوزارة؟!
حتى أموال لجنة التفكيك وماتمت غنيمته من أموال منظمة الدعوة الاسلامية؛ ياترى هل ذهبت لتحسين معاش الناس وصحتهم والتعليم والمواصلات؟!
للاسف لا، لقد فضحتم انفسكم عندما تحدث رفاقك فيما بينهم عن (الظروف المغلقة) التي كانت تخرج (بليل) من مكتب رئيس الوزراء، لتوزع على المحاسيب، ولأرضاء العديد من الا التي صوات التي صمتت فجأة بعد أن كانت لها (لعلعة) خلال ايام السواقة بالخلا، عملا بالمقولة:
Crying Baby Gets Milk
لن يستغرب احد منك او من رفاقك أمثال هذا النلويح، اذ في الذاكرة تلويح لرفيق لك أيام (القطر وصل والكلام اتغيير) كما كنت تقول لصغار السن أيام السواقة بالخلا، حيث قال هذا الرفيق الذي لقن له الاتهام تلقينا (وهو زولا علي نيانو):
اول ماتنجح الثورة دي، سنضع أيدينا على 67 مليار دولار قاموا بتهريبها وايداعها في بنوك ماليزيا.
بالله عليكم، صبية أمثال هؤلاء؛ هل يتوقع منهم سوداني عاقل أن ينفعوا السودان ويحددوا مصير شعب ودولة؟!
هل أمثال هؤلاء يستطيعون تشكيل حكومة؟!
هل أمثال هؤلاء يستطيعون وضع خطة ومنهج لاقتصاد ونهضة؟!
ألم أقل لكم ان جدي رحمه الله على حق؟
نسأل الله العافية.
صحيفة الانتباهة