دكتور ياسر أبّشر يكتب: وحوش!!
ذكر الإعلامي المصري محمد ناصر قصة امرأة مصرية كانت تقيم بالجيزة.. أفاد أنها كانت تُسمى «سكسكة»، وكانت امرأة فاجرة بذيئة عدوانية، وكانت ترأس عصابة..
قال: إنها بلغت بها الجرأة في السفالة أنها كانت تستحم في الشارع، والويل لمن يعترض أو يحتج، فأفراد عصابتها تشبعه ضرباً، وتشبعه هي شتماً وبذاءةً.
«سكسكة» وعصابتها لا تعترف بأخلاق ولا تقيم مقاماً لخلق، ولا تعرف شفقة أو رحمة أو عطفاً.
وفي يوم 6 فبراير الجاري، ضرب تركيا وسوريا زلزال مريع جعل الأفئدة تنفطر والقلوب تنزف، ألماً وحزناً.. وأعرب كل من في قلبه إنسانية عن تعاطفه مع ضحاياه.. فمثل هذه الفواجع تكشف عن البشر الحقيقيين، وأولئك الذين مات الإحساس الإنساني فيهم فغدوا إلى الوحوش أقرب.
ومن بين تلك الوحوش صحيفة تشارلي إبدو الفرنسية Charlie Hebdo، بل محرروها هم الوحوش.
وكانت تشارلي إبدو نشرت رسوماً كراكتيرية مسيئة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في 2006، وأعادت نشرها كرةً ثانية في 2015 بمناسبة محاكمة الشباب المسلمين الذين هاجموا مقرها وقتلوا عدداً من العاملين بها انتقاماً لنشرها ما ساء دينهم.
وفي اكتوبر الماضي صرّح جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، أن أوروبا حديقة وباقي العالم أدغال.. أي أن بقية البشر حيوانات!!!
ورأى العالم عنصرية الأوروبيين خلال عمليات الإجلاء من أوكرانيا، التي فضل فيها الأوروبيون البيض على العرب والأفارقة، بل اضطهدوهم.. دع عنك كل تاريخهم الاستعماري ونهبهم لموارد الشعوب.
عقب زلزال تركيا – سوريا المروع، نشرت تشارلي إبدو رسماً كاريكاتيرياً يُظهر المباني المهدمة وكتبت تحتها: لم نعد نحتاج لدبابة!!!
أما عضو مجلس الحاخامات الأعلى بإسرائيل، الحاخام شامويل إلياهو Shamuel Eltahu، فقد صرح لصحيفة أولام كاتان Olam Karan قائلاً: الله عاقب الدول التي تسيئ معاملة اليهود بهذا الزلزال، وأن ذلك الزلزال عدالة إلهية Divine Justice!!!
هذا علماً أن كارثة الزلزال خلّفت ألوف القتلى والجرحى والمشردين، وأثرت على حياة 25 مليون إنسان.. وتداعت الشعوب في الباكستان وفي عدد من بلاد الخليج وغيرها فتبرعت بمئات ملايين الدولارات بعفوية إنسانية ومن تلقاء نفسها.
المؤلم أن استجابة دول أوروبا كانت ضعيفة فاترة، فبريطانيا (العظمى) تبرعت بخمسة ملايين جنيه استرليني، وتبرعت لأوكرانيا بمبلغ 1.2 بليون جنيه استرليني.. واكتفت معظمها بارسال فرق إنقاذ وشيء من دواء قليل.. كأن تلك الدول تناصر تشارلي إبدو شماتةً ولؤماً.
في الحقيقة جاء رد الفعل الأوروبي انعكاساً لانحطاطها الأخلاقي ولا إنسانيتها.. فحتى تغطية إعلامها لهذه الكارثة المروعة، تكاد أن تختفي، وأصبحت زيارة رئيس أوكرانيا لبروكسل أهم من أرواح عشرات الألوف ومأساة الملايين في تركيا وسوريا.
وما كان السلوك الأوروبي إزاء المأساة إلا لموت الأخلاق.. حتى فلاسفة الغرب يقولون بذلك. فقد قال آرثر شوبنهاور:
Compassion is the basis of morality.
«الشفقة والرحمة أساس الأخلاق».. ومن ثم فمن افتقر للرحمة افتقر للأخلاق.
المؤسف حقاً أن بتركيا تياراً علمانياً اتخذ من الموقف الأوروبي المفتقر للتعاطف والرحمة والأخلاق نموذجاً وقدوةً ومثلاً.
أخذ العلمانيون الأتراك يبدون شماتةً على حكومة أوردوغان في كارثة طبيعية، كأن أوردوغان هو من أثار الزلزال، وأخذوا يتاجرون بأكفان الموتى، بدل أن يتفانوا في إنقاذ الضحاياً وتضميد جراحهم!!
يبدو أن العلمانيين مِلّة واحدة.
ففي السودان، لم يحرك الموت أحداً من القحاتة.. مات الناس بالمئات في النيل الأزرق، وماتوا بالمئات في دارفور، ولم نسمع أن فرداً أو حزباً قحاتياً زار تلك المناطق لمجرد إبداء التعاطف.
وجرفت السيول المنازل والبشر في الجزيرة والشمالية، ولم يحرك علمانيو قحت أصبعاً.
وقتل الأحباش المواطنين والجنود في الفشقة، والقحاتة في سكرتهم يعمهون، بل أبدوا انحيازهم للعدو، وشماتتهم بالشهداء، وتشكيكهم ببيانات الجيش!!
وكم رأيناهم يتاجرون بأكفان الموتى، بل يعلنون موت شباب أحياء، يبتغون الإثارة والفتنة.
كانت مواقفهم إزاء قضايانا الإنسانية بنفس قسوة رصفائهم الأتراك.
ولعل علمانيي قحت أشد قسوةً وضلالا، في كل القضايا الإنسانية التي تستوجب مواقف إنسانية تفيض بالشفقة والرحمة.
وتذكرون ضرب وسب صبية لشيوخ في مظاهرات نظمها الإسلاميون في مدني، ولم يستنكر فعالهم كبارهم، بل أرجح أنهم بسوء أدب الصبية كانوا سعداء.
وهكذا، فالعلمانية تقتل الرحمة والشفقة والتعاطف في قلوب معتنقيها.
لذا فإني أُكْبِر من قال:
«في أزمان الأزمات الأخلاقية، فإن أسخن مكان في الجحيم محجوز للذين يبقون على الحياد»
he hottest places in hell are reserved for those who, in times of great moral crisis, maintain their neutrality.
وهل ثمة أزمة أخلاقية في السودان أنكى من التي جرّتنا لها قحت وأحزابها وبرهانها!!!
لكن أنّى لمن كان مَثَله الحاخام شمويل إلياهو وجوزيب بوريل و«سكسكة» أن يرعى خُلقاً أو تبقى في قلبه ذرة من إنسانية ورحمة!!!
ياسر أبّشر