محمد أحمد الكباشي يكتب: الزراعة في خطر.. فماذا بقي؟
تشهد اسواق الخضر والفاكهة هذه الايام انخفاضاً كبيراً في اسعار الطماطم والبصل على وجه الخصوص، والمزارعون بولاية كسلا يتحدثون عن خسائر مليارية تعرضوا لها جراء تدني اسعار البصل مما جعل بعضهم يترك المحصول دون حصاد، ولذلك فقد خرج هؤلاء من المولد (بدون حمص) ان لم تتهددهم السجون نتيجة الاعسار، وان حالهم اشبه بما جسده الممثل جمال حسن سعيد في (اسكتش) البصل بعد ان اصابه الجنون.
ومزارعو الولاية الشمالية اعلنوا في وقت سابق عدم الدخول في الموسم الشتوي واحجامهم عن زراعة القمح لتدني اسعاره، هذا فضلاً عن تدني اسعار الفول المصري والبلح والتوابل، واذا كان المستهلك هو المستفيد الاول فإن المنتج في الجانب الآخر قد تعرض لخسائر فادحة.
مدينة طوكر ذات الارض البتول لم يجد مزارعوها هذه الايام بداً من ان يتخلصوا من منتج الطماطم الوفير واستخدامها لتكون علفاً للماشية، بدلاً من ان تدر لهم عائداً مادياً يغطي كافة تكاليف الانتاج من بداية الزراعة وانتهاءً بعملية الحصاد، فالترحيل وكل هذه العمليات تكاليف وعلى حساب هذا المحصول بعد ان تدنى سعره الى الحضيض.
وهذا يعني أن المزارعين لم يجنوا غير خسارة فادحة، بينما خسرت الدولة هي الاخرى منتجاً بامكان الجهات المختصة ان تؤسس للاستفادة منه في التصنيع وتشجيعاً للمزارع، مع العلم بان الاتحاد الاوروبي ويا للاسف بادر بانشاء مصنع للصلصة بطوكر، وصرف على هذا المشروع بالعملة الصعبة وقدمه ليستفيد الجميع بمن فيهم حكومة السودان، حيث اكتملت عملية الانشاءات قبل اكثر من عشر سنوات، ولكن ظل هذا المصنع عرضة للاهمال ودخل مرحلة الفشل قبل ان يعرف النجاح طريقه اليه، وربما صار سكناً للقطط والكلاب والخفافيش.. اليست هذه جريمة تستوجب محاكمة من تسبب فيها حكومة كانت ام ادارة مشروع طوكر، وعلى الهواء الطلق وامام اصحاب المصلحة واعني المزارعين وهم يدفعون ثمن الاهمال والفساد، ويخرجون من المولد بلا حمص ان لم يكن كثيرون منهم مهددين بالسجن والغرامة.
وليس بعيداً عن الأنموذج الذي اشرت اليه حول اهدار محصول الطماطم، فهناك ايضاً في مدينة ابو جبيهة ــ والتي اشتهرت هي الاخرى بانتاجية عالية من فاكهة المانجو ــ يعاني المنتجون من سوء التسويق.
واذا كان المزارعون في طوكر يتخلصون من الطماطم لتكون غذاءً للاغنام، فإن فاكهة المانجو بابو جبيهة بدلاً من ادخالها في المصانع لتكون عصيراً طازجاً بطريقة افضل من المنتجات المشابهة والمغشوشة بالاسواق الآن والادعاء بانها فاكهة مانجو، بدلاً من ذلك فانها تذهب لتكون غذاءً للابقار.
نعم هكذا يلجأ منتجو المانجو لترك حصادهم بعد ان عجزت الجهات المختصة ــ وهي كثيرة ــ عن تشجيع اصحاب هذا القطاع بدءاً بكثرة الرسوم المفروضة عليهم ومروراً برداءة الطرق وصعوبة الترحيل وارتفاع تكلفته الى مواقع الاستهلاك بما يجعل هذه الفاكهة عرضةً للتلف والتخلص منها كما اشرت بأن تكون غذاءً للحيوان.
قطاع الاستثمار والصناعة بالبلاد يترك الموجود ويبحث عن المفقود. فهل يكفي ان ينشط الاستثمار فقط ويقف عند محطة صناعة الطوب الاسمنتي التي يديرها رجال اعمال اجانب، ام يعيد تدوير ماكينات مصانع تجفيف البصل وتعليب الفاكهة للاستفادة من الانتاجية العالية من هذه المحصولات؟
على وزارة المالية ان تشعر بمعاناة قطاع المزارعين، فقد تركتهم يواجهون السجون والافقار والمحاربة بدلاً من دعمهم وتذليل كافة العقبات التي تواجههم.
صحيفة الانتباهة