حيدر المكاشفي يكتب: عقلية الشر يعم
في الأنباء أن حكومة ولاية شمال دارفور، عقدت اجتماعها الدوري الثامن الموسع برئاسة محلية كبكابية، بمشاركة المديرين العامين للوزارات وأعضاء لجنة أمن الولاية والمديرين التنفيذيين للمحليات، وكان من بين أبرز القرارات التي قال والي شمال دارفور نمر محمد عبدالرحمن ان الاجتماع اتخذها، قرار جمع الدراجات النارية وحرقها لدورها الخطير في الاختلالات والتفلتات الأمنية..
هذا القرار في تقديري غير موفق ولا أقول أخرق تلطفا، فأن تجمع كل المواتر بالمحلية وتحرقها كلها (عن بكرة أبيها) باعتبار ان اصحابها جميعا متهمون بارتكاب جرائم بواسطتها على طريقة (الشر يعم) التي تأخذ البرئ بجريرة المجرم..وأقول غير موفق لأنني لم أجد له مثيلا الا في حكاية (عجبني للمرقوت) التي جرت مثلا، والحكاية تقص عن إمرأة ريفية إحترق منزلها المشيد من القش الجاف أثناء وجودها خارجه، وعندما علمت بخبر الحريق وبدلا من أن تلطم الخدود وتشق الجيوب وتولول وتضرب السكليبة، قهقهت حتى كادت أن تستلقي على قفاها وقالت (كدي كدي، عجبني للمرقوت!!) تعبيرا عن فرحتها وإنبساطتها أربعة وعشرين قيراط من النهاية الفاجعة للمرقوت الذي استوطن عنقريبها المنسوج من الحبال ،وأقض مضجعها وأورثها الأرق والسهر والقهر ووجع الضهر ..هكذا بدا لي أن حكومة شمال دارفور حين قررت حرق هذه المواتر انما تفعلها بمنهج وعقلية عجبني للمرقوت من جهة، وعقلية الشر يعم من جهة أخرى، اذ ليس كل أصحاب المواتر شريرين ومجارمة وفي هذا ظلم وعدم عدل..
لعهد غير بعيد لم يكن لهذه الوسيلة ( المواتر ) وجود يذكر في غرب البلاد، وربما لو أحصينا عدد المواتر الموجودة في كل الغرب فلن يتعدى مجموعها أصابع اليدين وفي المدن الكبيرة فقط، ولا وجود لها البتة في أشباه المدن والأرياف قاطبة، ولكن مع الافرازات السالبة التي شهدها الاقليم الكبير جراء الحروب المتعددة والمتنوعة من إقتتال قبلي وهجمات الحركات والهجوم المضاد والنهب المسلح ونشوء وإنشاء المليشيات، ظهرت فيما ظهرت نتيجة لهذا الواقع المأساوي من ممارسات وثقافات سالبة على هذا الاقليم، ثقافة إقتناء الموتر فانتشر بشكل لافت وجود هذه الوسيلة حتى على مستوى الفرقان والقرى الصغيرة، ولكن للأسف لم يكن هذا الانتشار وليد الحاجة لوسيلة إتصال وتواصل ومواصلات التي من أجلها جاء إختراع الموتر، ولكن لمآرب اجرامية، إذ وظّفت هذه الوسيلة لغير غرضها المعروف فأصبحت أداة للجريمة والإغارة هنا والنهب والسلب والقتل هناك وباتت وسيلة ليست للتواصل والتوادد والتزاور وإنما للكسب والثراء السريع حتى أن بعضهم جعل شعاره (موتر وكلاش مال وعيشة ببلاش)، وغني عن القول هنا أن السلاح بلغ درجة من الانتشار لم يعد معها مدهشا أن ترى يافعاً لم يبلغ الحلم وهو يمتشق سلاحاً أكبر من حجمه وأطول من قامته… صحيح أن المواتر أضحت وسيلة جريمة ومصدر ازعاج وعكننة للسلطات وارهاب للمواطنين تستوجب وضع حد لاستخداماتها السالبة والمضرة ، ومن الجيد أن تنتبه السلطات لسوء استخدام هذه الوسيلة وتعمل على اتخاذ الاجراءات الكفيلة بضمان عدم استخدامها على أي نحو سالب ومضر، ولكن الصحيح جدا بدلا من حرقها الاستفادة منها بأكثر من وجه، وأول هذه الوجوه على سبيل المثال مصادرتها لصالح الدولة أوأي معالجة أخرى..
صحيفة الجريدة