حيدر المكاشفي يكتب: خبراء بزعمهم
تبرأ الجيش من من يسمون بالخبراء العسكريين والاستراتيجيين الذين ظلوا ضيوفا على القنوات الفضائية، لاسيما ما بعد انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر، وقال الجيش أن الآراء التي ترد من قبل المحللين والخبراء لدى استضافتهم بالقنوات الفضائية، إنما هي آراء واستنتاجات وخلاصات تعبر عن وجهات النظر الشخصية حيال القضايا المختلفة..الرأي الرسمي للقوات المسلحة تعبر عنه بيانات وتصريحات وإفادات مكتب الناطق الرسمي المكتوبة أو الشفهية..تبرؤ الجيش هذا من أولئك الخبراء المزعومين،
ذكرني بحكاية لي مع ميكانيكي تقمص شخصية خبير استراتيجي، ولم لا (فمافيش خبير أحسن من خبير)، اذ قادني حظي العاثر ذات يوم للتعامل مع ميكانيكي مركب مكنة خبير سياسي واستراتيجي، سيارتي ال(نصف عمر ونصف حجم) التي عيرني بها أحد السابلة بسبب مضايقتي له في أحد الشوارع صارخا في وجهي (قايل عندك عربية، اختشي دي عربية بنات)، كانت السيارة تعاني عطبا بسيطا، وقد أوقعني هذا العطب تحت قبضة هذا الميكانيكي السياسي، ولا عجب ألا يقولون أن السودان بلد الاربعين مليون سياسي، فقد قضيت مع هذا الميكانيكي (البراي) قرابة الساعة والنصف قضى أغلبها في الهرطقة والطربقة والهترشة السياسية والجيوسياسية على طريقته بدارجة مخلوطة باللغة المهنية للميكانيكية..
لم يكن الناس ما قبل حرب العراق يعرفون من يسمون بالخبراء والمحللين الاستراتيجيين، وبدأ فعليا سماعهم بهم والاستماع اليهم مع اندلاع تلك الحرب، حيث درجت الفضائيات التي تنقل يوميات الحرب على ملء فراغات برامجها باستضافة أولئك الخبراء المزعومين، الذين كانوا ينسجون سيناريوهات أقرب للخيال من الحقيقة، ومن يومها امتد مد هؤلاء الخبراء بزعمهم وصارت الفضائيات تتبارى في استضافتهم، واللوم هنا يطال الفضائيات نفسها لترخصها وتبسطها في اطلاق صفة خبير استراتيجي ومحلل سياسي حتى ابتذلتها، فابتلي الناس بهم وبآرائهم التي لا تعدو أن تكون شطحات أو ربما هرطقات وخزعبلات لا أحد يعرفها وليس لها تفسير علمي ولا تمت إلى العلم بصلة، مثلهم مثل الدجالين وضاربي الرمل وقارئي الكفوف، ومن ذلك ما يلاحظ على من يسمون بالخبراء الاستراتيجيين وبالأخص العسكريين منهم، دفاعهم عن الانقلابيين وتبرئتهم لهم ولو بالباطل، فما إن يستضاف أحدهم في فضائية أو اذاعة أو صحيفة ويسأل عن رأيه في الانتهاكات الجسيمة المفضية الى القتل التي تلغ فيها القوات الموكل اليها فض مواكب الثوار السلمية، إلا وينبري لتبرئة هذه القوات والدفاع عنها وايجاد المبررات لها، يفعل ذلك حتى العسكريين بالمعاش، رغم وضوح هذه الانتهاكات الفظيعة وسقوط عشرات الضحايا ومئات المصابين، مما لا يترك مجالا لانكارها أو الالتفاف على حقائقها الناصعة الموثقة إلا مكابرة، وظل هؤلاء الخبراء بزعمهم وما انفكوا يكابرون حين يواجهون بهذا السؤال المحرج لهم، فيعمدون الى (اللولوة والدغمسة) ومحاولة دمغ الثوار السلميين بالعنف والتخريب، في مسعى خائب ومفضوح لتبرئة قتل المتظاهرين وسحلهم،
ولكن حتى في هذا التبرير الفطير كانوا يكذبون ويلونون الحقائق بل يلوون أعناقها، فهؤلاء الثوار ليسوا حركات مسلحة مدججة بالسلاح، وانما هم مدنيون عزل ليس في أيديهم سوى شعارات قماشية أو ورقية، وليس لهم سلاح سوى حناجرهم التي يهتفون بها، مما يدحض أية حجة سخيفة تحاول عبثا تبرير ضربهم بالرصاص الحي، وأين في مناطق قاتلة في الصدر والعنق وليس الأقدام، مما يكشف نية القتل المبيتة مسبقا، وليس فقط فض (الشغب والتخريب) كما يدعون زورا وبهتانا..وخطورة حديثهم وتبريرهم لعمليات العنف والقتل التي تقع من القوات الأمنية واضفاء صبغة قانونية لها، أنها تكون بمثابة شارة خضراء وتشجيع يدفعهم للاستمرار في ممارسة العنف المفرط والمميت، بدلا من أن يعترفوا ويقروا بهذه الانتهاكات الفظيعة والمطالبة بلجم الجنود من ارتكابها ومحاسبة المخالفين منهم..ولهذا حق للجيش ان يتبرأ منهم..
صحيفة الجريدة