الطاهر ساتي

الطاهر ساتي يكتب: فإن الذكرى..!!

:: يوم أمس، فيما كانت الخرطوم تودع عاماً وتستقبل آخر، كان بعض الأهل يعقدون مؤتمر أهل الهواد بحاضرة نهر النيل (شندي).. وكانت اللجنة التحضيرية أعلنت منتصف الأسبوع الماضي عن بعض أهداف المؤتمر، ومنها تطوير وادي الهواد، والحرص على حفظ ما أسموها بالحقوق التاريخية والحيازات والمراعي، وعدم تجاوزهم في أي اتفاقيات أو تسويات حول المشروع، وتوصيات أخرى..!!
:: مشروع الهواد، مشروع قومي، يمتد من النيل إلى الفشقة، مخترقاً نهر النيل، الخرطوم، الجزيرة، كسلا والقضارف، بمساحة تتجاوز (12 مليون فدان)، بيد أن المرحلة الأولى تستهدف (2.400.000 فدان)، وهي الواقعة بنهر النيل، وذلك بصيغة شراكة ثلاثية ما بين الدولة والأهالي والقطاع الخاص.. وكشفت تقارير إخبارية في نوفمبر الماضي بأن المجلس السيادي وافق – مبدئياً – على عرض إماراتي للاستثمار في هذا المشروع..!!
:: وعليه، ما لم يكن في طي توصيات المؤتمر أجندة – داخلية أو خارجية – رافضة للاستثمار الأجنبي في المشروع، فمن الظواهر الإيجابية أن يعقد أهل الهواد مؤتمراً لتطوير منطقتهم، مع الحرص على الحقوق، ثم السعي بأن يكونوا شركاء في المشروع، فهذه أهداف مشروعة.. وعلى الدولة توفير مناخ النجاح لهذا المشروع، بحيث يكون المجتمع حامياً وليس معارضاً، أو كما حدث في مشاريع كثيرة..!!
:: وللتذكير، للعظة والعبرة.. في مارس العام 2015، فيما كان نظام البشير يبحث عن دريهمات يسد بها (فجوة الميزانية)، كانت أخبار العرب تتحدث عن منصة استثمارية بين مصر والإمارات بقيمة عشرين مليار دولار، لتأسيس مشاريع استراتيجية مشتركة في قطاعات، منها الصناعات التحويلية، الطاقة التقليدية والمتجددة، التكنولوجيا، الأغذية، العقارات، السياحة، الرعاية الصحية، الخدمات اللوجستية، البنية التحتية وغيرها..!!
:: وفي ذات أسبوع أخبار المنصة الاستثمارية المشتركة، وعلى شرف الاحتفال بعيد وطني، سألت أحد سفراء الخليج عن أسباب تقزيم استثماراتهم بالسودان في (البرسيم)، وعدم الاستثمار في مشاريع استراتيجية تخدم الشعوب، رغم توفر الموارد؟.. فطلب بعدم نشر حديثه، فوعدته بذلك، فشرع يتحدث عن مراكز الفساد بالسلطة وبؤر المتاعب بالمجتمع، وعن أزمة الطموح وضعف الخيال، وبأننا نتحدث ونحلم كثيراً ولا نبادر بالأفعال..!!
:: وضرب مثلاً بمشروع الجزيرة، سائلاً: هل أعدت حكومتكم دراسة جادة لمشروع استراتيجي بحجم مشروع الجزيرة، وعرضت علينا أرضاً خالية من الموانع ومتاعب الأهالي وملاحقتهم لنا بالمحاكم والمعاول، فرفضنا التمويل والشراكة العادلة؟ و..و..و.. كان يتحدث بغضب وألم عن قضايا الاستثمار في بلادنا، ونستمع بحزن.. وقد صدق الرجل، فالاستثمار يؤمن بما يراه، وليس بما يسمعه من خُطب و(أحلام يقظة)..!!
:: ودون غض الطرف عن تفاصيل العرض، فإن يأتي أجنبياً للاستثمار في بلادنا، فهذا يعني أن المناخ قابل لأن يكون جاذباً، ما لم نحوله إلى طارد بالسياسات الخاطئة وحماقات الأهالي.. والشاهد، منذ رفع اسم بلادنا من قائمة الإرهاب، فالشركات الأجنبية (تجس النبض)، وتتلمس الخطى، بحثاً عن موطئ استثمار.. وهذا ما حدث بعد نيفاشا، حيث شهدت البلاد أكبر توافد للمستثمرين في تاريخ السودان، ولكنهم هربوا سريعاً.. وما لم تعالج الحكومة والمجتمعات أسباب الهروب سريعاً، فكل قادم ينتظره ذات المصير..!!

صحيفة اليوم التالي