صلاح الدين عووضة يكتب : جِنِس كضب!
ونتونس اليوم..
ولأنها ونسة فلتكن بالدارجي..
أو لنجعلها خليطاً بين الدارجي والعامي..
وعنواننا هذا نفسه بعاميتنا السودانية… ويعني كذباً من جنس عجيب..
ومن أشهر الناس باجتراح الكذب هم السّاسة..
فأكثرهم يكذبون كما يتنفّسون… ودون أن يطرف لهم جفن أو يرتجف ضمير..
والبشير كان مشهوراً بالكضب..
ومن آخر كذباته قوله: سأحكي ليكم قصة حصلت معاي… حكاها لي زول..
وكان ذلك قبيل سقوطه بقليل..
ثم استلم منه رايتي الحكم – والكضب – جماعة قحت… المجلس المركزي..
وهم أكذب من كذب..
وذلك على نسق مقطع الأغنية القائل: أظلم من ظلم..
فقد كذبوا – بدءاً – حين قالوا إنهم يمثلون الثورة… والثوار..
واتّضح أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم… وأحزابهم..
وأحزابهم هذه نفسها لا تمثل إلا فئة قليلة جداً من القواعد الجماهيرية..
وذلك عدا حزب الأمة بالطبع..
وإن كان حزب الأمة هذا نفسه كثيرون من منسوبيه ضد جماعة مريم..
ثم كذبوا حين بشروا الناس بعهدٍ ذي رخاء..
فكان أسوأ عهود بلادنا السياسية سوءاً… وضيقاً… وفشلاً… وصفوفاً..
ثم أسوأها حُباً لشهوات السلطة..
وشابه كذبهم هذا كذب المُغنية التي امتدحت صديق صفحتنا بالفيس جنوبي..
أو الملقب بجنوبي… وتربطني به علائق قربى..
وجاء الوصم بالكذب هذا على لسان والدته عندما أخذت مغنية عرسه تمتدحه..
فقد قالت المغنية: ما شرب السجار… وما لعب القمار..
وذلك فضلاً عن حميد خصائل أخرى..
فصاحت والدة جنوبي مقاطعة: عاد كضب الجبال يا بتِّي..
وكذبوا حين بشروا الناس بتدفق الخير من الخارج..
فلم يتدفق أي شيء؛ إلى أن دفقتهم قرارات 25 أكتوبر إلى الخارج..
خارج السلطة… وخارج البلاد..
فلا قومة السودان نفعت… ولا مؤتمر برلين… ولا مؤتمر باريس..
وطفق جنيهنا يتدحرج بشدة..
ولم يتوقف تدحرجه هذا – مقابل الدولار – إلا عندما سقطت حكومة قحت..
والآن هو مستقر لأكثر من عام..
تماماً كما استقرت الكهرباء… والمياه… والأسعار… والوقود.. والخبز..
واختفت ظاهرة الصفوف..
ثم كذبوا – كضب الجبال – حين رفعوا شعار اللاءات الثلاث..
شعار لا تفاوض… لا شراكة… لا شرعية..
وسُرعان ما بلوها وشربوا مويتها عندما شعروا بمرارة البعد عن الكراسي..
فتفاوضوا… وشرعنوا… والآن يُريدون الشراكة..
فالبرهان – وجماعته – بعد أن كانوا انقلابيين هُم الآن المكون العسكري..
وبعد أن قالوا لا نتشرّف بالجلوس معهم الآن جلسوا..
وصار جلوساً علنياً بعد أن كان سرياً ومنكوراً..
فالشينة منكورة كما نقول في أمثالنا الشعبية… وهو هنا معني به الشارع..
هذا الشارع الذي قالوا إنه معهم..
ثم اتضح أيضاً أن الشارع هذا ضدهم… وضد تسويتهم مع العسكر..
وحتى التسوية هذه قالوا إنها لن تفضي إلى محاصصة..
فهم زاهدون في السلطة… هكذا قالوا… ثم عدلوا كلمة مستقلة إلى وطنية..
ونعني حكومة الكفاءات المقترحة..
وذلك كي يتسنى لهم العبور من ثغرة مفردة وطنية هذه كما فعلوا قبلاً..
ويتواصل مسلسل كضبهم..
فقد قالوا إن التسوية هذه مفتوحة للجميع… لتحقيق إجماع وطني كبير..
فلما توالت طلبات الالتحاق بلعوا كلامهم..
وقالوا إن الأحزاب التي كانت مع البشير حتى لحظة سقوطه ما معانا..
ليه ما معاكم؟… لأنهم لا يؤمنون بالديمقراطية..
هكذا قالوا… بينما قال المثل: حبل الكذب قصير..
فقد نسوا أن معهم حزب المؤتمر الشعبي الذي لا ينطبق عليه هذا الشرط..
وأمينه العام كان مساعداً للبشير حتى آخر لحظة..
طيِّب يا جماعة الخير… ويا مكون عسكري… ويا كل من يهمه الأمر..
مَن يمثل جماعة قحت هؤلاء؟..
فباستثناء مجموعة مريم طيارة هم بلا سند جماهيري… وبلا سند أخلاقي..
وبلا حتى سند ثوري – في الشارع – كما كانوا يزعمون..
وكل ما يقولونه هو كضب الجبال..
وجنس كضب!.
صحيفة الصيحة