جعفر عباس يكتب: العروس لا تقاس بالفلوس
عندما جلست أمام المأذون لإبرام عقد زواجي، تجادل موكلي ووكيل العروس حول الصداق المؤجل، هذا يريده رمزيا وذاك يريده فلكيا، فقاطعتهما وذكرت مبلغاً كبيراً بمقاييس ذلك الزمان من حيث القوة الشرائية، وكان الجنيه السوداني في ذلك “العصر”، يساوي دولارين، واليوم يساوي الدولار، أكثر من 470 جنيها – تبا للإمبريالية – المهم أن مؤجل الصداق الذي حددته جعل أقاربي الجالسين حولي يصابون بالحول، وهمس أحدهم: بعدين تتورط لما يجي الطلاق!! قلت له: الله يطمئنك يا شيخ! أنا أتأهب للزواج بمن اخترت، وأتمنى بناء بيت سعيد، وأنت تفكر في مشكلات طلاقي منها؟ على كل حال بقي مؤجل الصداق كبيراً رغم التنزيلات التي نفذها أقربائي. بفضل جيناته الإفريقية العربية، فقد ظل السودان يحقق معدلات نمو اقتصادي عالية من سنة إلى أخرى، حتى صار من المستحيل تحديد قيمة مؤجل صداق زوجتي بأي عملة عالمية، وصار الجنيه السوداني متدني القيمة، بدرجة أن ذلك المؤجل أصبح في لغة المال كأن لم يكن، يعني “زي قِلّته”، ويصعب احتسابه دون إصابة الآلة الحاسبة أو الكمبيوتر بخلل في القوى العقلية، وهكذا صرت كلما تراجع الجنيه السوداني خطوة إلى الوراء، أداعب زوجتي، فإذا تناولت قطعة شوكولاتة أحضرتها البيت، قلت لها: كده وهيك خالصين، وعفيت ليك باقي المبلغ، وكل حي يروح لحاله! واشتري لها عطراً وأقول لها: هذا هو مؤجل صداقك مضروباً في ألف!! ثم صارت الحكاية نكتة بايخة ومكررة فتوقفت عن إغاظتها بها، وابتكار أشياء ووسائل أخرى من بينها الزعم بأن نبيلة عبيد مضربة عن الزواج لأنها تضع عينها عليَّ. ولعل القارئ يتذكر وهو يقرأ السطور أعلاه ما أوردته معظم الصحف العربية مؤخراً عن ذلك الزوج العربي، الذي تزوج قبل سنوات عديدة، وكان محظوظاً لأن والد زوجته لم يكن من النوع المفشخراتي وطلب منه مهراً رمزياً – بالتحديد ريالين فقط، لأن بنته لا تقدر بثمن، وليس لأنها بضاعة رخيصة كما توهم الزوج، وصار يكرر أمامها بأسلوب جارح أن مهرها كان زجاجة بيبسي حتى عيل صبرها وهجرت بيت الزوجية!! ومن حقك أيها القارئ أن تتساءل: ما الفرق بينك وبين صاحبنا أبو مهر بيبسي؟ الفرق كبير: فقد كانت زوجتي تعرف أنني أذكرها فقط بما آل إليه حال الجنيه السوداني، ولم يكن في كل ما أقوله لها أي تلميح بأنها كانت “سلعة رخيصة”، في حين أن صاحبنا هذا يعاير زوجته بأنه عقد قرانه عليها بأسلوب المقايضة: أعطيكم زجاجة بيبسي تعطوني بنتكم، بل كان يؤكد لها ذلك بأن يذكرها بأن قريناتها تزوجن بمهور قيمتها عشرات الآلاف، وفوقها ألوف مؤلفة أنفقت على المجوهرات وحفلات الطعام والبهرجة. (للحكاية نهاية سعيدة فقد شكت البنت لوالدها من حكاية المعايرة بمهر البيبسي فأمرها بأن تبقى عنده في البيت، ولم يسمح للزوج باستردادها إلا بعد أن دفع مهرا بآلاف مؤلفة.. ابن الذين). أذكر أنني كنت فوق العاشرة بقليل عندما ذاع أمر مجلس صلح بين زوجين شارك فيه ستة وسطاء، وكان الزوج يقول في حضور زوجته وأمام الوسطاء عبارات مثل: هذه كلبة و…، فيهدئ الجماعة من خاطره ويطالبون الطرفين بفتح صفحة جديدة: يا بنت الناس طولي بالك عليه… وأنت يا ابن العم لا تكن شديداً عليها دائماً!! فينفجر الزوج: الكلب لا يمشي إلا بالجزمة!! وكان أصغر الوسطاء الستة صامتاً طوال الجلسة فقال له الجماعة: قول حاجة يا أستاذ، هنا قال “الأستاذ” بهدوء: هذه الزيجة باطلة من أساسها لأن زواج ابن آدم بكلبة لا يجوز، وليس من حل للمشكلة سوى الطلاق الفوري، فهاج الجميع وماجوا: أنت مش عاقل… أنت واسطة خير وللا بتاع فتنة؟ وقيل إن الزوجة كانت سعيدة بكلام صاحبنا وتمسكت بالطلاق وكان لها ما أرادت، ولام الناس من اقترح الطلاق، وكبرت والحكاية تلك عالقة بذاكرتي، وتزوج الرجل بعدها ثلاث مرات وطلق، وكانت آخر طلقة بعد أن نال علقة جامدة من زوجته الثالثة التي كانت “مسعورة” بعد أن تطاول عليها باليد.
صحيفة الشرق