هل تستفيد الخرطوم من تجربة الجيش الجزائري في قيادة الانتقال السياسي؟
أثارت زيارة نادرة لرئيس هيئة الأركان السوداني محمد عثمان الحسين إلى الجزائر، في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، والتقى فيها نظيره السعيد شنقريحة تساؤلات حول أهداف الزيارة وتوقيتها تزامناً مع إعلان رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان الذي قال إن “الجيش يريد توافقاً، وحكومة مدنية يحرسها بعيداً من المحاصصة الحزبية”، في إطار البحث عن مخرج من الأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد وتهدد بتفكك الجيش.
ويرجح مراقبون أن زيارة رئيس الأركان السوداني تهدف إلى الاستفادة من تجربة الجيش الجزائري في قيادة مرحلة الانتقال السياسي بعد استقالة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، في 2 أبريل (نيسان) 2019، بعد حراك شعبي وضغط من قيادة الجيش وانتهت بتسليم السلطة للمدنيين، مع الحفاظ على وحدة الجيش والبلاد.
ورفض قائد الأركان الجزائري الراحل أحمد قايد صالح آنذاك الاستيلاء على السلطة أو اقتسامها مع المدنيين، إنما فضل احترام نص الدستور، وعليه نظمت انتخابات رئاسية مسبقة بعد مرحلة انتقالية صعبة لم تتجاوز بضعة أشهر.
نقاط تشابه
واستخلص متابعون نقاط تشابه بين التجربتين تتمحور حول إجبار الجيش السوداني الرئيس عمر البشير على الاستقالة، وذلك بعد تسعة أيام فقط من استقالة نظيره الجزائري الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.
وعلى رغم تشابه التجربتين السودانية والجزائرية إلا أنهما لم تؤديا إلى النتائج نفسها، إذ لم يتمكن السودان إلى الآن من الخروج من المرحلة الانتقالية، التي كان من المقرر لها أن تنتهي في 21 نوفمبر الحالي بإجراء انتخابات قبل أن يتم تمديدها 14 شهراً.
واكتفى بيان وزارة الدفاع الجزائرية بوصف زيارة رئيس هيئة الأركان السوداني محمد عثمان الحسين إلى الجزائر ولقائه رئيس الأركان الجزائري، السعيد شنقريحة بأنها تدخل في إطار التعاون العسكري بين البلدين.
بيان وزارة الدفاع قال إن “الطرفين تطرقا خلال اللقاء إلى السياق الأمني الإقليمي، وأكدا ضرورة تنسيق الجهود لرفع التحديات الأمنية المعترضة، فضلاً عن إيجاد السبل الكفيلة بتعزيز علاقات التعاون بين البلدين، كما تبادلا وجهات النظر حول المسائل ذات الاهتمام المشترك”.
وأكد رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة أن “هذه الزيارة ستشكل فرصة للطرفين لتبادل وجهات النظر حول الوضع السائد في الساحة الدولية عموماً وفي القارة الأفريقية”.
وتابع “أنا على يقين أن التبادل المستمر للزيارات والاحتكاك بين القوات المسلحة لكلا البلدين سيزيدان فرص بلورة وتحديد مجالات التعاون الثنائي، ويسمحان بإعطائه الزخم المطلوب والبعد المرجو”.
طلب استشارة
يقول الخبير الأمني عمر أوجانة إن زيارة الوفد العسكري السوداني إلى الجزائر تندرج في إطار رغبة الخرطوم في إطلاع الجزائر على تطورات الأوضاع على المستور الداخلي.
وأوضح أوجانة لـ”اندبندنت عربية”، أن “الزيارة جاءت بعد المضايقات التي يتعرض لها السودان من عدة جهات وأطراف إقليمية ودولية تحاول فرض أجندات معينة، ورغبة الخرطوم في إقحام الجزائر بوساطات حول أزمات راهنة وعلى رأسها ملف سد النهضة، بالنظر إلى رصيد الجزائر في مجال الوساطات الدولية”. ورجح “أن تكون المشاورات التي أجراها الوفد العسكري السوداني مع مسؤولي المؤسسة العسكرية الجزائرية تناولت مسألة طلب استشارة بخصوص إدارة مرحلة الانتقال السياسي المتعثرة في البلاد”.
وأشار إلى أن تجربة الجيش الجزائري في إدارة الأزمة السياسية الداخلية التي تلت استقالة الرئيس الراحل السابق عبدالعزيز بوتفليقة ومتابعة “الحراك الشعبي” التي تعرض في آخر مراحله إلى الاختراق أسهم في مرور البلاد إلى بر الأمان.
وجاءت زيارة رئيس هيئة الأركان السوداني إلى الجزائر بعد نحو ثلاثة أسابيع من مشاركة البرهان في القمة العربية التي عقدت بالجزائر، سبقها عقد لجنة التشاور السياسي اجتماعاتها في مايو (أيار) 2022، ومن المرتقب عقد اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة مطلع 2023. وبحثت وفود رسمية جزائرية زارت السودان في الأشهر الأخيرة فرص التعاون والاستثمار خصوصاً في قطاعات التنقيب واستخراج النفط والغاز والمعادن.
أزمات متشابكة
ويرى السودان في الجزائر حليفاً إقليمياً قوياً لمواجهة تحديات أمنية معقدة تغذيها أزمة سياسية زادت من تأزم الوضع في البلاد مع تهديد قبائل البجا شرق البلاد بتشكيل حكومة محلية تسعى إلى الانفصال عن الحكومة المركزية، فيما يزداد الوضع في إقليم دارفور غرب البلاد هشاشة.
واستثماراً للوضع الأمني المعقد، تتحين الجماعات المسلحة في منطقة الساحل، بخاصة “داعش” الصحراء الكبرى وبوكو حرام، الفرصة للزحف من بحيرة تشاد إلى إقليم دارفور، في محاولة لاستغلال الفراغ الذي من الممكن أن يتركه انسحاب القوات الفرنسية والأوروبية من مالي، وحتى بوركينا فاسو في المستقبل القريب وكسب مساحات نشاط أوسع ما يشكل تهديداً حقيقياً للبلدين.
يضاف إلى ذلك، أزمة سد النهضة مع إثيوبيا والانقسام السياسي والأمني في ليبيا، والوضع غير المستقر في الجارتين جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، وانتشار تهريب البشر والسلاح والمخدرات عبر الحدود.
ويسعى السودان والجزائر إلى تجاوز سوء تفاهم بين البلدين تسبب فيه الملف الليبي، أدى إلى فتور العلاقات بينهما في 2016، عندما صدرت تقارير تتحدث عن دور سوداني في دعم أحد أطراف النزاع في ليبيا “بالسلاح”، الأمر الذي تعارض مع مساعي الجزائر لإيجاد حل سياسي في البلاد.
ودرب الجيش الجزائري منذ 2010 دفعات عسكرية وأمنية سودانية، حيث من المنتظر تعزيز هذا التعاون في مجال التدريب، سواء من حيث تأمين العمليات الانتخابية والتعامل باحترافية مع المظاهرات الشعبية، أو في مكافحة الجماعات المسلحة.
في مقابل ذلك، تبحث الجزائر عن أسواق لتصدير بعض الأسلحة المصنعة محلياً، بخاصة العربات المدرعة والشاحنات العسكرية متعددة المهمات، وتستهدف السودان كواحدة من الأسواق المحتملة.
إندبندنت عربية