زهير السراج

اتركوا الحكومة تعمل

[ALIGN=CENTER]اتركوا الحكومة تعمل!! [/ALIGN] اختطاف الأجانب أو التهديد بذلك، والإعلان عن تكوين التنظيمات التى تهدد بملاحقة ومطاردة الأجانب وغيرها من المشاهد التى نراها ونسمع بها فى بعض مناطق العالم، هى بالضبط (ما يريده) المتربصون بالبلاد.. حتى يرسموا لأنفسهم خارطة الطريق فى التعامل معنا الذى يبدأ بتقليص البعثات الدبلوماسة، ثم سحبها، ثم السعى لاستصدار قرارات أممية، أو اللجوء إلى العمل الانفرادي لاحتلال وتمزيق البلاد.. وهو سيناريو معروف، تكرر أكثر من مرة وفي أكثر من مكان.. وكانت نقطة البداية على الدوام أحداث عنف أو مجرد التهديد بالعنف، حتى لو لم يجد طريقه إلى التنفيذ.
* من السذاجة بمكان أن نظن أن مثل هذه الأعمال تصب في مصلحة السودان، وتدعم مواقفه السياسية والدبلوماسية والقانونية في الخارج.. فهي على العكس تماماًَ من ذلك.. والبرهان أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية قد عدت مجرد مظاهرات شعبية سلمية مشروعة فى أى مكان فى العالم بما فى ذلك امريكا، ضرباً من (الأعمال) التي قد تشجع على العنف ضد الأوروبيين والأمريكيين، كما زعمت، فقامت بتقليص بعثتها الدبلوماسية في الخرطوم.. فما بالك (بأعمال) مثل (الاختطاف) في نظر العالم الخارجي، سواء المؤيد لنا أو المتربص بنا، على الأقل يجب أن ننظر إلى تأثيرها السلبي على (النشاط الاستثماري) خوفاً من المجهول.. في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لتجاوز الأزمة المالية التي سببها الانخفاض العالمي في أسعار البترول!
* كما أن مثل هذه الأعمال تربك الحكومة ولا تتركها تعمل بهدوء، وتثير الفزع في الداخل وترفع درجة التوتر، وتضعف الجبهة الداخلية التي أظهرت تماسكاً محسوساً بعد صدور قرار المحكمة، وهي أي الجبهة الداخلية تتكون من أغلبية كبيرة تؤمن بالمقاومة العقلانية للقرار، والسير في طريق الحل السلمي لأزمة دارفور، الذي يطوي معه ملف المحكمة الجنائية الدولية، فإذا سيطرت على الساحة الداخلية الأصوات التي تدعو إلى العنف، سيكون لذلك تأثير سلبي على الأغلبية، وعلى التماسك الداخلي، الذي هو أهم وأقوى الأسلحة على الإطلاق في مقاومة قرار المحكمة وإجهاضه، والوقوف أمام المتربصين بهذا البلد واستقراره !!
* وفي المقابل، فإن المصلحة العليا تقتضي تجنب التصريحات والأفعال المؤيدة لقرار المحكمة، والمستفزة للمشاعر الوطنية، فهي تصب في المحيط نفسه، الذي يصب فيه العنف.. وإذا كان البعض يرى فى هذا المحيط اليوم بحيرة صغيرة يمكن عبورها بسهولة إلى الضفة الأخرى، فستتحول غداً إلى محيط يبتلع في جوفه كل شيء، مثلما حدث في كثير من أنحاء العالم على مر التاريخ الإنساني، ولا تزال بعض التجارب ماثلة أمام أعيننا لمن يريد أن يرى، فيتعظ ويعتبر!!
* لقد نجحت الحكومة حتى الآن بامتياز كبير فى التعامل مع الأزمة، ومن الأجدى لنا جميعاً أن نقتدى بها ونتحلى بالحكمة، ونترك لها اختيار سبل المعالجة، بما يحقق السلام العادل وينصف أهل دارفور، ويطوي ملف المحكمة الجنائية الى الأبد بدون التفريط فى الكرامة الوطنية، ولنا في الإرث السوداني الضخم والتجارب الإنسانية الأخرى، الدليل الذي نهتدي به!

drzoheirali@yahoo.com
مناظير – صحيفة السوداني – العدد رقم: 1201 2009-03-17