محمد عبد الماجد

محمد عبد الماجد يكتب: (قلة أدب) الأمين السياسي للبجا أو غيره

(1)

 في أيام الحرب الاهلية في جنوب السودان – وفي زمن كانت الروح (الجهادية) عند ابناء الشمال تبلغ اقصى مداها وتصور لهم ان الحرب في جنوب السودان حرب من اجل نصرة الإسلام، وكان برنامج (في ساحات الفداء) يمنح عروض (الحور العين) لشهداء الحرب (كاش) او قرض (بنكي)، حيث كانت (الشهادة) تقدم مع استمارة التقديم للجامعات والقبول فيها، وكانت طوابير الصباح في المداس لا تختلف عن طوابير الجيش – وكان من لم يجند وينضم للدفاع الشعبي يفقد فرصته في الجامعة وفي الوظيفة. كان ابناء الجنوب يغنون (منقو قول لا عاش من يفصلنا)، في تلك الاثناء عندما كان في أي ساحة وميدان وفي كل حلة تضرب (خيمة) من اجل (عرس الشهيد) – في الوقت الذي كان فيه الذين يدفعون الشباب وطلاب الجامعات الى ذلك يبحثون لأنفسهم عن (علاوة) الزوجة الثانية، كان اهل الجنوب في الخرطوم ومدني وشندي جزءاً اساسياً من (الشمال).

 مع تلك اللغة (الحربية) الحادة التى كانت طابعاً لأهل الشمال بسبب حكومة الانقاذ كانت الحركة الشعبية في جنوب السودان لا تتحدث عن (الانفصال) بلغة فاحشة ولا تدعو له كما كان يدعو له (منبر السلام العادل) الذي كان صاحب الصوت الاعلى في الساحة بسبب مطالبته ودعوته للانفصال وترويجه له… كانت الحركة الشعبية ترفع حق تقرير المصير بأدب ،وان فعلوا فعلوها في خجل– وكان الدكتور جون قرنق رئيس الحركة الشعبية (وحدوياً) حتى النخاع – وكان ابناء الجنوب في الخرطوم يتحدثون بلطف وأدب ويشجعون الهلال والمريخ والموردة ويسمعون وردي وعثمان حسين ويغنون للنعام آدم وعائشة الفلاتية.

 لم تكن الدعوة للانفصال تصل الى تلك الدرجة من الفجور الذي يصرح به الأمين السياسي لمجلس نظارات البجا سيد ابو آمنة ويقول في العلن : سنقوم بتشكيل حكومة وربما نلجأ “للكفاح المسلح”.

 ابناء الجنوب بعد حرب استمرت حوالي نصف قرن لم يجرأوا على الدعوة للانفصال بهذه الصورة (الفجة) التى تؤكد غياب الحكومة وغياب الدولة ايضاً.

(2)

 ابناء البجا سودانيون اكثر منّا – وهم مع قسوة البيئة والمناخ عندهم إلّا انهم ودودون – يكادون يذوبون من (اللطف) وان بدت عليهم ملامح قسوة الطبيعة. هم جزء اصيل في هذا الوطن لا يبقى دونهم.

 ابناء البجا وشعب السودان في شرق السودان لا يمثله قياداتهم ونظاراتهم التى تدعو الى (الانفصال) جهراً وتسعى اليه وتعمل لتحقيقه من اجل مكاسب سياسية تخصهم وحدهم.

 قال الأمين السياسي للمجلس الأعلى لنظارات البجا في السودان، سيد أبو آمنة، الأربعاء، إن الأمانة السياسية للمجلس تحركت بهدف عدم الاعتراف بالحكومة السودانية، وتشكيل سلطة مؤقتة لحل القضية. وأضاف للجزيرة مباشر أن توقيت التحرك وعدم الاعتراف بالحكومة السودانية، وتشكيل “سلطة مؤقتة” شرقي البلاد تمهيدًا لإنشاء مؤسسات حكم ذاتي مرتبط بالسعي لحل القضية، وتنفيذ قرارات مؤتمر سنكات 2020 بشكل مدني وحضاري، على حد وصفه. وأعلنت الأمانة السياسية لمجلس نظارات البجا والعموديات المستقلة، الأربعاء، تفعيل حق تقرير المصير، وتكوين “الهيئة السيادية لتقرير مصير البجا” برئاسة الأمين السياسي.

 تلك التصريحات من الامين السياسي للمجلس الاعلى لنظارة البجا ليس لها اسم او وصف اخر غير انها (قلة أدب) وعدم احترام لهذا الوطن وهذا الشعب العظيم.

 الخلاف مع الحكومة لا يعني الدعوة للانفصال.

 تذهب الحكومة ويبقى الوطن.

 من الذي منحكم هذا الحق – هذا الامر لا يخص البجا وحدهم ولا يملكون ان يقرروا (حق المصير) وحدهم – لأن مصيرهم مصير السودان كله.

 نرفض أي لهجة عنصرية في الشمال وفي الغرب وفي الشرق وفي الجنوب.

 وحدة الوطن ليست محل نزاع سياسي سخيف.

 هذه التصريحات لو كانت هنالك فعلاً حكومة يجب ان يحاسب عليها الامين السياسي للمجلس الاعلى لنظارات البجا في السودان.

 التفلتات الامنية تأتي من مثل هذه القيادات وليس من (9) طويلة.

 عصابات النقرز السياسي والكراسي والمناصب اخطر من عصابات نقرز الشوارع والنهب الاموال والجوالات.

 هل يمكن ان تسمح الحكومة لناظر الجعليين او الشوايقة ان يخرج على الناس ويطالب بهذا الذي يطالب به الامين السياسي للمجلس الاعلى للنظارات؟

 بل هل يمكن ان يتم السماح بذلك حتى لأهل دارفور وقياداتهم وهم ابناء اكثر منطقة تعرضت للظلم والتهميش والإبادات ولا يتجرأ واحد منهم بعد ذلك للدعوة (الجهرية) للانفصال.

 لا تملك أي منطقة في السودان (حق تقرير المصير) – هذا الامر يمثل امن ومصير واستقرار البلد كلها.

 حق تقرير المصير دفعنا ثمنه بعد انفصال الجنوب – الآن يريدون ان يكرروا (الفشل) نفسه بنفس المقومات ونفس الطرق ونفس المصير.

 أي سوداني يدعو للانفصال ويهدد بتشكيل حكومة مستقلة (قطاع خاص) او بنظرة (قبلية) يجب ان يحاسب ويعرض للمحاكمة (العدالة).

 الحاويات التى تغلقون بها الجسور امام المواكب السلمية يجب ان توضع امام تلك الدعوات التى تعيدنا الى القبيلة والعنصرية من جديد.

 يجب ان يوضع حد لمثل هذا العبث.

 هذا لا يعني التعدي على اهلنا في شرق السودان – اهل البجا ابرياء من تلك الدعوات.. ولكن يجب ايقاف مثل هذه الاصوات التى تشعل نار النزاعات القبلية وتوقد جمر الفتنة.

 ردوا على هذه الدعوات بالقانون والمحاسبة القضائية وقبل ذلك بالحب والنمو والخير.. وليس بالرصاص والغاز المسيل للدموع والقمع.

(3)

 السودان وطن للجميع – (يشيل الناس وكل الناس وساع بخيرها لينا يسع).

 خير هذه البلد يسع الجميع.

 هذا الوطن ينبغي ان يظل موحداً ومتماسكاً ومستقراً : (ﻛﻞُ ﺃﺟﺰﺍﺋﻪ ﻟﻨﺎ ﻭﻃﻦٌ ﺇﺫ ﻧﺒﺎﻫﻲ ﺑﻪ ﻭ ﻧﻔﺘﺘﻦُ ﻧﺘﻐﻨى ﺑﺤﺴﻨﻪ ﺃﺑﺪﺍً ﻭﺩﻭﻧَﻪ ﻻ ﻳﺮﻭﻗﻨﺎ ﺣﺴَﻦُ).

 يفترض ان تكون هنالك محاكم وقوانين تحاسب كل من يدعو الى الفتنة ويروج للانفصال.

 لا توجد دولة محترمة في العالم تسمح بمثل هذه التصريحات التى تروج لها وسائل الاعلام الرسمية للدولة.

 لم نبلغ بعد مرحلة من الهوان تصل الى هذا الحد.

(4)

 بغم

 ابعدوا الوطن من حسابات ارصدتكم الشخصية ومكاسبكم الخاصة.

 ابعدوا الوطن من صندوق الرسائل الخاصة في هواتفكم.

 لن نتعامل مع الوطن كحصة في بطاقة التموين او منحة من الجمعيات التعاونية.

 قدر الوطن اعظم من هذا.

 كونوا في قامة هذا الوطن .. او اصمتوا.

 وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).

صحيفة الانتباهة