صلاح الدين عووضة

صلاح الدين عووضة يكتب : الحب وسنينه!

والحب أنواع..

ولكن الذي يُقال عنه (يقطع الحب وسنينه) هو ما يقطع باثنين إلى بر الزواج..

ولا نقول بر الأمان..

فحتى بعد الزواج ربما نسمع مفردة يقطع في عبارة (يقطع الزواج وسنينه)..

أي في كلا الحالين قد يكون هنالك (قطعٌ… وسنين)..

أما الحب الذي نعنيه في كلمتنا هذه فهو حبٌّ (يقطع) العاطفة بسكين العقل..

أو سكين الفلسفة… والمنطق..

حتى وإن كان القطع هذا لروابط عاطفية بينك وبين ما – أو من – تحب..

حتى وإن كان ضد هواك..

حتى وإن كان سيُؤلمك – من حيث المشاعر – أمام الناس… وأمام نفسك..

والفيلسوف رسل يضرب لنا مثالاً لذلك..

قال إن أستاذاً لهم بقاعة فلسفة كمبريدج كان يدرسهم مسألةً بطريقة معينة..

مسألة رياضية في المنطق الرياضي..

أو بالأحرى الإجابة عن المسألة هذه؛ وكان معهم طالبٌ اسمه ماكتجارت..

وكان – كما يصفه رسل – ذا ذكاءٍ خارق..

وذات يوم طلب من الأستاذ هذا – في أدبٍ وحياء – أن يسمح له بملاحظة..

وكانت الملاحظة تحوي تصويباً للأستاذ..

وبدلاً من يغضب أستاذ المنطق المُخضرم إذا به يشكر تلميذه الصغير..

ويعتذر عن خطأ ظل يمارسه لنحو عشرين عاماً..

وما أنا بفيلسوف… ولا أستاذ منطق… ولا ذي عقلانية منزوعة الدسم العاطفي..

بيد أنني أحب أن أكون كذلك..

أو أن أجتهد في أكون عقلانياً – ومنطقياً – ما استطعت إلى ذلك سبيلا..

حتى وإن لم يعجب نهجي هذا كثيراً من الناس..

ومن المنطلق هذا كتبت خاطرة أمس عما قاله أمين حسن عمر عن البشير..

مع علمي المسبق بما ستكون عليه ردود الأفعال..

فسوف تجيء – جميعها – ردوداً عاطفية؛ ومن منصات انتماء سياسي..

أو من منصات روابط عاطفية..

وبالفعل لم يشذ تعليقُ واحدٌ ليأتي متسقاً مع العقل… مع المنطق… مع الفلسفة..

وهذا هو نص خاطرتي التي نشرتها البارحة:

هذا خطأ!

خطأ مزدوج..

قانونياً… وأخلاقياً..

وهو إرجاع البشير إلى سجن كوبر بعد أن مكث في علياء عاماً كاملاً..

ومبعث الخطأ أنه شيخٌ تجاوز السبعين من عمره..

والقانون يقول إنه لا يجوز حبس – أو إعدام – شخص تخطى السبعين..

وهذا الكلام لأمين حسن عمر أمس..

وكان يمكن أن نحترمه لولا أن فيه ازدواجية معايير ذات خطأ مزدوج..

ازدواجية منافية للقانون… وللأخلاق..

فقد سبق للبشير هذا نفسه أن أودع سجن كوبر كثيراً ممن تجاوزوا السبعين..

وآخرهم الترابي؛ شيخ كلٍّ من أمين… والبشير..

فلم نسمع من تلقاء أمين هذا عبارة: هذا خطأ من الناحيتين القانونية والأخلاقية..

ومن ثم فإن حديثه هذا مردودٌ إليه… وعليه..

فهو ينم عن ازدواجية معايير من منطلق غير قانوني… وغير أخلاقي..

بل من منطلق أهواء النفس..

وهذا خطأ!.

انتهت الخاطرة؛ ولم تنته مشاكلي – الشخصية – بعد مع شخصنة القضايا..

فنحن لا نعرف أن نختلف بعقل… بمنطق… بفلسفة..

فإما أن حديثك يعجبني فأنت معي… وأنا معك… ونحن الاثنان مع ما نحب..

أو مع من نحب..

وإلا فأنا ضدك… وأنت ضدي؛ وأنا عدوك… وأنت عدوي… وأنا أكرهك..

فما زال البون شاسعاً بيننا وبين العقلانية..

وتفصلنا سنوات حسابية – طويلة – لنبلغ حالة حب الحقيقة في ذاتها بمنطق..

وسنوات ضوئية لنبلغ حالة ماكتجارت وأستاذه..

وإلى أن نقطع هذه المسافة نلعن – كما ضحايا الحب – ما يستحق القطع..

الحب وسنينه!.

صحيفة الصيحة