أنصفوا هذا الشيخ !
عندما يدخل اليك يدخل معه الابتسام؛ والمودة؛ رجل في بداية السبعين أو نهاية الستين؛ يميزه سمته الوقور؛ واللحية الدائرية وسودانيته (القحة).. عرفناه منذ سنوات خلون كاتباً صحافياً لا يجارى .. حمل معه هموم أهله (النوبة)؛ وقد تخصص في طرح مشكلاتهم وعرضها على المسؤولين؛ وله أفضال على كثير من أهل جنوب كردفان؛ لم يتوقف حبر مداده السيال عن ذكرهم في حالتي السراء والضراء؛ نافح وقاتل بسلاح (الكلمة) كل مقعدات وطنه الصغير وتخلفه عن ركب التنمية؛ ناصح المسؤولين ولم يكتف بذلك بل كانت كل كتاباته (ناقدة) لهم؛ تساعده في ذلك قدرة كبيرة على التسفار ومعايشة القضايا من الميدان.. ذلك هو العم (كندة غبوش الامام)؛ أو كما يحلو لنا أن نطلق عليه (ملك مملكة النوبة)؛ واحد زعمائها الكبار.
لغبوش سيرة طويلة في العمل العام؛ حيث كان وما زال عضواً فاعلاً بهيئة علماء السودان؛ له فيها كسب وجهد وعرق؛ وأسهم مع الخيرين من رجال البر الكويتيين في دعم واسناد أهله في جبال النوبة؛ مستفيداً من سنين غربته الطويلة في الكويت الشقيقة؛ وما ذكر اعلام النوبة وقادتها؛ الا وكان لكندة نصيب وافر بينهم؛ لأنه قدم خدمة أهله على مكاسبه الشخصية.
دخل علي بالأمس في مكتبي بالصحيفة؛ ولم تكن تسبقه تلك الابتسامة الودود؛ وكأنما جف ينبوع الابتسام داخله؛ سألته ما بك يا كندة.. قال لي جئت لاودعكم لأنني مسافر الى القاهرة حيث تقيم زوجتي وابنتي؛ لأن (رفيقة الدرب) تتعافى في القاهرة من آلام طويلة بالقرنية والشبكية.. قال لي نويت أن أسافر اليهم واعيدهم الى الديار برغم أن العلاج لم يكتمل.. ولكن ضيق ذات اليد؛ أجبرنا على قطع العلاج؛ فقد صرفنا كل (غال ونفيس)؛ وكل (متوفر ومدخر) في العلاج الذي تطاول أمده؛ وما بنا قدرة على الاستمرار..
يعيش كندة هذا الواقع؛ ويكابد ليوفر لزوجته سبل العلاج؛ ولم يذكر هذا الأمر من قبل لأحد؛ كان عندما نجده كأنه لا يعيش مشكلاته؛ مهموم دوماً بقضايا أهله وعشيرته.. فشأنه الخاص لا يحادث فيه أحداً؛ (جبلة) قام عليها؛ أما في الشأن العام فهو (أسد هصور)؛ وصاحب صوت صادع بالحق.. ولا يخشى في ذلك شيئاً؛ وكثيراً ما واجه صد وتعنت المسؤولين وملاحقتهم.. لأنه وقف الى جانب أهله وعشيرته في قضاياهم.
لم يطرح كندة في يوم من الأيام قضيته الشخصية؛ ولم يقدم (سره) لأحد.. واني الآن أكتب من ورائه؛ وأرجو أن يعذرني في ذلك؛ لأن من قابلته بالأمس ليس كندة الذي اعرف.. كندة الضاحك (الهاش الباش).. جاء وعلى كتفيه (هموم ثقال) أطارت البسمة من وجهه.
أكتب الآن وفي البال رجال صادقون وزعماء أوفياء من اهل جبال النوبة.. أين الفريق أول شمس الدين الكباشي؟ بصيته وسمعته التي ملأت الآفاق.. لماذا لا نراه في محنة كندة؟ واين سعادة الفريق ياسر العطا؟ وقد كان قائداً بتلك المناطق والجبال المائة.. ومعرفته الشخصية بكندة وما يقدمه لأهله ووطنه؟.. واين ابن المنطقة مبارك أردول؟ وقد اعلن أنه بهم أبناء الجبال (مهموم)؟.. واين سعادة الفريق مفضل الوالي الساق للولاية ومدير جهاز المخابرات العامة.؟ واين سعادة الوالي موسى جبر؟.. كل هؤلاء يمكنهم مساعدة كندة وتوفير العلاج لزوجته.. كل واحد فيهم في استطاعته أن يزيح (صخرة الهموم) من على ظهر هذا الشيخ الهرم.
وأخيراً يكفي كندة غبوش الامام ما سطره في سفر حياته حباً باقياً لجبال النوبة وأهلها؛ وما تحمله الصحف السيارة لعقدين من الزمان كفيل بأن يبني لهذا الشيخ تمثالا ًفي مدخل مدينة كادوقلي.. وحق له فهذا حقه.. فمن الذي يبتدر هذا الامر ويسارع الى كسب الثواب؟
بخاري بشير
صحيفة الانتباهة