مقالات متنوعة

عبد الله مسار يكتب : التسوية الثنائية (2)

هل هي تسوية سياسية أم عقد إذعان

قلنا في مقالنا التسوية الثنائية (1)، إنّ هنالك تسوية تمت بين الحرية والتغيير المركزي والسادة الفريق أول البرهان، والفريق أول محمد حمدان دقلو، وقلنا إنّ هذه التسوية تضمّنت بنوداً كلها تعزل القوى السياسية والمجتمعية والأهلية ومنظمات المجتمع المدني والشعب السوداني، وتجعل من الفترة الانتقالية حصرياً على الحرية والتغيير المركزي، وأيضاً تؤكد بأن تعهد الفريق أول البرهان أنه لن يسلم السلطة إلا عبر وفاق وطني شامل أو حكومة منتخبة غير صحيح.

إنّ الاتفاقية تنص على اتفاق ثنائي بين الطرفين دون حتى وجود بقية المكون العسكري فيه. واعتقد أن الإخوان الكباشي وياسر العطا وإبراهيم جابر خارج المسرح، وأن هنالك عسكرياً آخر في الصورة أكثر من الأعضاء العسكريين في مجلس السيادة، وأنّ الاتفاقية تعتبر بقية المكونات الحزبية والأهلية والمجتمعية ثانوية، والأصل في الاتفاق الحرية والتغيير المركزي.

وواضح أن الأجندة الأجنبية هي التي تتصدّر الاتفاقية، وأنّ هذه التسوية تبعد الجيش والأمن والشرطة من المشهد ومسرح الأحداث، كما انها تؤكد أن الفترة الانتقالية حزبية، تسيطر عليها الحرية والتغيير المركزي، وواضحٌ أنّ التسوية الثنائية جيرت كل السلطة للحرية والتغيير المركزي، وأبعدت حتى بعض الموقعين على اتفاقية جوبا، بل أبعدت عملياً تجمع المهنيين ولجان المقاومة والحزب الشيوعي وكثيراً ممن كانوا في ميدان الاعتصام عند سقوط الإنقاذ، وأشركت في الشورى والقرار بعض الأحزاب التي كانت حتى سقوط الإنقاذ، بل هي تظهر بعض البنود وتخفي أخرى.

وهذه التسوية تجعل قوات الدعم السريع، قوات منفصلة عن الجيش وتجعلها تحت مسؤولية رئيس مجلس السيادة، وتجعلها تحت رحمة هذا الرئيس، وأيضاً يجعل وضع هذه القوات في خطر وحتى القوات المسلحة، وقد تتم عملية التفكيك التي يسعى لها فولكر ومشايعوه.

أيضاً اتفاقية الإذعان هذه تجعل كل البلاد عرضة للاضطراب الأمني إلى الصراع العسكري، بل الصراع الأهلي، وتجعل الأمن العام والاقتصادي والمجتمعي في خطر، بل هي مدخل لانقلاب، حيث أن انقلاب عبود ونميري وعمر البشير كلها نتيجةً للصراع السياسي والعزل والتدخل الأجنبي في السودان.

أيضاً من معايب التسوية أنها تتم مع قوى ضعيفة وقليلة العدد والعتاد والجماهيرية ووجودها الشعبي ضعيف، مع وجود شارع ضخم مناوئ لهذه القوى الحزبية التي تريد أن تحكم بدون سند شعبي،

أيضاً من معايب التسوية أنها تكشف ظهر القوات النظامية كلها، بما في ذلك القوات المسلحة والدعم السريع، أيضاً تفتح البلد على مصراعيه للتدخل والسيطرة الخارجية، وتضعف القرار الوطني لصالح التدخل الأجنبي، وتجعل اليد العليا في السودان لسفراء بعض الدول، وتجعل البلاد عرضةً للفوضى والخروج من سيطرة القوى الأمنية.

أعتقد أن الأخوين البرهان وحميدتي يجب أن يعيدا النظر فيما وقّعا واتفاقا عليه مع الحرية والتغيير المركزي، خاصةً وان الشارع السوداني الضخم قد بدأ يتحرك، والآن كلٌّ يغلي كالمرجل وقد ينفجر، وقليلاً قليلاً يتطور إلى شارع كبير، قد يكون طرد بعض السفراء هدفاً شعبياً ويكون ذلك بثورة جماهيرية، كذلك قد يحدث تململ وسط القوات النظامية، رفضاً لهذه التسوية الثنائية.

على العموم، هذه التسوية غير موفقة وجاءت بعد ثلاث سنوات من الممارسة، فشلت فيها قحت في حكم البلاد، وجعل الحكم تهيمن عليه روح الانتقام، وكذلك صعوبة المعيشة، والانفراط الأمني.

الآن فولكر يعمل مخرجاً لهذه التسوية دون النظر للتعقيدات، وقد حدد أجلاً حتى 2022/12/19م ليكمل هذه المهمة والتي هو جاء خصيصاً للقيام بها، وأعتقد أنه سيفشل، لأن الشعب السوداني واعٍ جداً لأراجيف وألاعيب هؤلاء الأجانب، والسودانيون يؤمنون بالمثل “ما حك جلدك مثل ظفرك”، خاصةً وأنّ المشروع الخارجي في السودان معلومٌ ومعروفٌ.

كما أتوقع أن يتراجع الرئيس البرهان ولا يخلي التسوية تتم دون وفاق وطني.

وأعتقد أنّ لديه فرصة لذلك بتعيين حكومة تكنوقراط خارج الأحزاب، ثم يجهز البلاد للانتخابات حتى لا يضيع السودان بهذه التسوية الثنائية المهزلة والفاشلة، حيث إنها عطاء من لا يملك لمن لا يستحق.. والتيار الوطني الكبير الصامت لن يكون على السكون دائماً.

تحياتي،،

صحيفة الصيحة