منى ابوزيد

منى أبو زيد تكتب : أدعياء..!

“احذر المرأة التي تتحدّث كثيراً عن الشرف”.. نابليون بونابرت..!

(1)
قبل سنواتٍ، اكتشفت الدكتورة ليلى زكريا – رحمها الله – مضاداً طبيعياً للأكسدة يمكن أن يكون بديلاً لمادة البوتكس المُستخدمة في عمليات التجميل، يدخل في تصنيع مواد طبيعية خالصة مُضادة لأمراض الشيخوخة والتجاعيد، ويعمل على تمديد فترة الشباب. الظاهر والمنطقي ــ كما ترى ـــ أن المقصود بالشباب هنا هو شباب البشرة على أقل تقدير، أو لعلّه تمديد فترة شباب العُمر البيولوجي لجسد الإنسان على أقصى تقدير، وليس المقصود من ذلك أبداً تجميد عُمر الإنسان عند مرحلة الصّبا، باكتشاف صيغة سحرية لإكسير الخلود. لكن بعض رجال الدين في بلادنا انبروا يومئذ ــ بحماسةٍ غريبةٍ ـــ للتشكيك في شرعية الاختراع ومن ثَمّ جدواه، وألمحوا إلى حُرمته حينما قال بعضهم في تصريح رسمي لوكالة السودان للأنباء “لا تبديل لخلق الله، وأن هنالك بعض العقاقير الطبية التي تشعر الإنسان ببعض النشاط والحيوية لكنها لا تعيده إلى مرحلة الشباب، حيث أن سنة الله في الكون أنه خلق الإنسان في أطوار الطفولة والشباب والكهولة ثم الشيخوخة” وعليه فإن تصنيع ذلك المنتج التجميلي حرام. غفر الله لها ولهم..!

(2)
لا يزال أرشيف صحافتنا المحلية يحفظ حكاية الشيخ السياسي الذي كان يحدث الناس عن مقاييس الرؤية الشرعية وحرمة الاختلاط وضوابط ضرب الدف في الأعراس، ويحث الرجال على التعدد ويفاخر بزواجه من أربع، ثم يطلق إحدى زوجاته ذات حين، فينقلب عليها ويجاهر بالحديث – عبر وسائل الإعلام – عن تُهمة جنائية صريحة ينسُبها إليها قبل بلوغ مرحلة التقاضي أو حتى صدور أي حكم ابتدائي. هذا حال مُعظم المُتاجرين باسم الدين في كل عصر وحين..!

(3)
كان “راسبوتين” الساحر الروسي الشهير هو الراهب الأكبر قداسة والأكثر قُرباً من العائلة المالكة في روسيا، وكان – أيضاً – الرجل التنفيذي الأكثر نُفُوذاً في بلاط القيصر، والسر في نجاحه أنه كان متديناً متشدداً في ظاهر أمره، ماجناً سكيراً في الخفاء، وحينما يفتضح أمره على غفلة منه كان يقول للسُّذّج البلهاء من أتباعه “إن العبد حتى يتطهر من ذنوبه ويصبح أقرب إلى ربه لا بد أن يرتكب إثماً فظيعاً ثم يتوب توبة نصوحاً”. وقد ظل ذلك الراهب المقدس والساحر الشرير يخدع البسطاء من أبناء شعبه، طيلة حياته، وبعد مماته أيضاً، فالمستنيرون اعتبروا من قتلوه أبطالاً، والبسطاء اعتبروه شهيداً. والحقيقة أن أمثال راسبوتين في مجتمعنا كُثُر، لذا لا تصدق أبداً من يقولون لك إن معظم آفات وشرور هذه البلاد مستوردة – بعيداً عن دول الاستكبار أو شعوب العلمانية، عن صخب البيت الأبيض أو هدوء الكرملين، عن عزلة الدلاي لاما أو عداوة إسرائيل – هنالك آفات مقيمة وأوجاع غائرة في اللحم الحي، لولاها هي ولولا تخاذلنا نحن لما طالت محن ولما استطالت إحن. مُعظم كوارثنا صناعة محلية، وجل مصائبنا ماركات سودانية مسجلة. مواقف كثيرة لأدعياء الدين والدنيا ظل هذا المجتمع يتابعها بمزيج من السخرية وطيب الخاطر، لكن تلقيح الخصومات السياسية والمواقف الشخصية بالفتاوى الدينية ظاهرة خطيرة عليكم بقادتها، فذاك هو مكمن الخطر..!

صحيفة الصيحة