زهير السراج يكتب: صبراً بروفيسور البرير !
* في رحاب الأحساء الجميلة شرقي المملكة العربية السعودية تعرفتُ على البروفيسور (عبد الباقي البرير) زميلاً وأخاً فاضلاً في إحدى الجامعات السعودية. * سنوات ست تقاسمنا فيها الأيام الجميلة واللحظات السعيدة وعطر الأمكنة والجلسات ونكهات الطعام التي يجيد طبخها. * بروف (البرير) رجل يجمع بين التواضع الجم، والعلم، وبين الظُرف واللطافة والحكمة… يدخل القلوب دون بوابات وحراسات، لا يعرف التكبر والتعالي والتباهي، تعجبه الأشياء الجميلة فيعبِّر عنها في فرح غامر. * شاءت الأقدار أن يعود للوطن قبل عامين ليجد جامعته في السودان قد تخلت عنه بحجة أنه أمضى خمس سنوات في الاغتراب، وبالتالي لا يمكن إعطاؤه إجازة دون راتب لست سنوات، فما كان منه إلا أن جمع حصاد غربته في سيارة (بوكس) أصبح يعمل بها لتأمين قوت أبنائه. * ترك القاعات و الطلاب والمكتبات وأصبح على طرق الخرطوم بعربته (البوكس) يصارع ظروف البلد التي جعلته فجأة خارج مهنته التي ألفها والطلبة الذين ألفوه والمراجع والكتب التي قام بتأليفها. كم من برير في السودان، وكم من قصص يمكن أن نرويها تحكي ضيم أهل المهنة لمنتسبيهم؟! * بروف (البرير) بعد السنوات الطويلة والخبرات المتراكمة والاحتكاك بجنسيات مختلفة من الأساتذة الجامعيين على مستوى الخليج وعلى مستوى إفريقيا، خاصة أنه أمضى سنوات في دولة ملاوي … كان يمكن أن يقدم أكثر مما كان، فقد عاد بمخزون دورات تدريبية وبحوث نشرها وترقيات نالها، ولكن ! * رغم ذلك ظل البروفيسور (البربر) راضياً قانعاً، وكان يدعونا للعودة للبلاد و يحكي لنا قصصه مع الترحيل ويرسل لنا صوره وهو وسط المطاعم لعلّ هذه الصور توقظ فينا حلم العودة للبلد. كان سعيداً وهو وسط الأسواق يساعد طلبة المدارس وكبار السن وأصحاب العوز. * يوم الثلاثاء الماضي (الثلاثاء ١٨/ ١٠/ ٢٠٢٢) وعند المغيب حضر اثنان إلى منزله في ام درمان وأوحيا له أنهما يسكنان معه في الحي وطلبا مشوارا، وفي وسط الطريق أشهرا السلاح واعتديا عليه وسرقا العربة البوكس (حصاد العمر). والحمد لله رغم الكدمات وآثار الضرب إلا أنه بخير. فقد البروف (البرير) عربته وأمنه وقبل ذلك موقعه في الجامعة. * يوم الأربعاء ١٩/ ١٠ / ٢٠٢٢ وهو اليوم الذي تم فيه توزيع الشهادات السودانية في المدارس، تقدم بعده ب(5) ساعات حوالي (3) الف طالب وطالبة للقبول بالجامعات المصرية بسبب الأوضاع الأمنية المزرية والمبالغة في مصروفات الجامعات حتى الحكومية منها وتردِي الخدمات في الداخليات. * بالطبع لا يمكن فصل هذه الأحداث من بعضها، فالبلد في حالة فوضى وإفراغ وهجرة جماعية، الأمر الذي يتطلب ترك أي قضايا جانبية ليكون الوطن هو الهدف، فالموقف الآن نكون أو لا نكون. * كان ذلك ما كتبه الاستاذ (هشام عباس زكريا) عن البروفيسور الجليل (عبد الباقي البرير) الذى تعكس قصته الواقع المحزن في البلاد، فإلى متى يظل الشعب السوداني ذليلا مهانا تحت رحمة عاشقي السلطة والتسلط والانقلابيين والسياسيين والكيزان واتباع الشيطان .. حسبنا الله ونعم الوكيل !
صحيفة الجريدة