اقتصاد وأعمال

غلاء الوقود يُشعل احتجاجات ويُعمّق الأزمات المعيشية عربياً وعالمياً

تعاني كافة الدول المستهلكة للنفط حالياً من ارتفاع فاحش في فاتورة الطاقة نتيجة عوامل مرتبطة بصعود النفط عالمياً وتداعيات حرب أوكرانيا وخلل سلاسل الإمداد والتوزيع، ما يعمّق الأزمات المعيشية في بلدان عديدة ويُشعل موجات احتجاج تخبو حيناً وتشتد أحياناً.

وفيما يبدو العالم متجها سريعا نحو أزمة ركود تلوح في الأفق، بدأت الدول تمارس نفوذها في محاولة للجم جموح التضخم ومكافحة غلاء أسعار الطاقة، وهذا ما أجّج خلافا بين واشنطن ودول أوروبية من جهة، وبلدان “أوبك+” بقيادة السعودية وروسيا اللتين اتهمهما الرئيس الأميركي جو بايدن صراحة بأنهما السبب في غلاء النفط من خلال الدفع باتجاه تبني التحالف قرارا بخفض الإنتاج مليوني برميل يوميا، بما يفاقم أزمة الطاقة التي تستعر بفعل حرب أوكرانيا.

في السياق، دعا بايدن، يوم الأربعاء، الشركات الأميركية إلى زيادة إنتاجها النفطي المحلّي، مؤكّداً أن الولايات المتّحدة ستواصل الاعتماد على احتياطياتها الاستراتيجية في محاولة لضمان استقرار الأسعار في محطّات الوقود في البلاد.

وتناول بايدن في خطابه من البيت الأبيض قرار “أوبك+” في ظلّ خشية من أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الوقود قبل انتخابات التجديد النصفي في 8 نوفمبر/تشرين الثاني، وهو اقتراع سيحدّد ملامح النصف الثاني من ولايته الأولى. وقال بنبرة حازمة “العائلات تعاني”، مدركاً أنّ التضخم المرتفع نقطة ضعف يركز عليها خصومه الجمهوريون.

ورغم انخفاضه 22% منذ بلوغه ذروته في منتصف يونيو/حزيران، لا يزال سعر البنزين العادي أعلى بنسبة 16% من مستواه في الفترة نفسها من العام الماضي. أما بالنسبة للديزل، فقد تراجع سعره بشكل معتدل منذ يونيو بسبب انخفاض شديد في مخزوناته، وباتت تكلفته حالياً أعلى 50% في المتوسط مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

تواصل الإضرابات في مصافي “توتال إنيرجيز” ومستودع وقود في فرنسا
العودة لدعم الوقود الأحفوري رغم أضراره البيئية
وقد أدت أزمة الطاقة إلى ارتفاع قياسي في دعم الوقود الأحفوري في جميع أنحاء دول مجموعة العشرين، ما يعرض الأهداف المناخية العاجلة لخطر التهميش، وذلك وفق ما أعلنته منظمة “جيرمان ووتش” غير الربحية المعنية بالبيئة والتنمية.

واعتبرت منظمة “جيرمان ووتش” المعنية بالبيئة والتنمية، اليوم الخميس، في تقريرها السنوي عن شفافية المناخ، أنه رغم التقدم الذي تحقق في مجال الطاقات المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة، فإنّ مجموعة الاقتصادات العشرين الكبرى تخاطر بـ”التحرك في الاتجاه الخاطئ”.

وذكرت المنظمة الألمانية التي تعنى بحماية البيئة أنّ مجموعة العشرين وعدت بخفضدعم الوقود الأحفوري، إلا أنه ارتفع بالفعل بنسبة 30% تقريباً من 2020 إلى 2021 إلى حوالي 190 مليار دولار (حوالي 194 مليار يورو).

أزمة وقود مستفحلة في فرنسا
وفيما تتواصل أزمة الطاقة في فرنسا وتمتد الطوابير الطويلة أمام محطات التوزيع، قال وزير المالية برونو لو مير، الإثنين الفائت، إن وقت المفاوضات انتهى الآن مع النقابات المضربة، فيما واصل أعضاء النقابات العمالية إضرابات أضرّت بشدة بإمدادات الوقود لمحطات الخدمة على مستوى البلاد.

وقال ممثل للكونفدرالية العامة للشغل في فرنسا لـ”فرانس برس” إن العمال واصلوا الإضراب الاحتجاجي يوم الإثنين في عدة مصاف ومستودعات تابعة لشركة “توتال إنرجيز”، للمطالبة برفع الأجور بشكل يعكس الزيادة في التضخم، على حد قولهم. وأفاد بأن الإضرابات شملت مصافي نورماندي ودونغ ولا ميد وفيزين ومستودع دونكيرك.

ويطالب الاتحاد بزيادة أجور موظفي “توتال إنرجيز” بنسبة 10%، بأثر رجعي للعام 2022 بأكمله.

الرئيس ميشال عون مستقبلا وفد شركة توتال الفرنسية دالاتي نهرا
طاقة
“توتال” تعلن وصول منصتها إلى لبنان في 2023 وتتجنب موعداً محدداً
ويوم الأحد الماضي، تظاهر عشرات آلاف الأشخاص في باريس بدعوة من اليسار المعارض للرئيس إيمانويل ماكرون، والذي يأمل المساهمة في “بناء جبهة شعبية جديدة” في فرنسا على خلفية شح في الوقود من جراء إضراب.

ونظّمت المسيرة بدعم من جمعيات واتحادات نقابية احتجاجا على غلاء المعيشة والتقاعس في مجال المناخ، وبلغ عدد المشاركين فيها 140 ألف شخص وفق المنظمين، و30 ألف شخص وفق الشرطة، و29 ألفا و500 شخص وفق تعداد أجراه مركز “أوكورانس” لعدد من الوسائل الإعلامية، من بينها وكالة “فرانس برس”.

وإضافة إلى سائقي السيارات، ولا سيما العاملين في القطاع الصحي، الذين واصلوا سعيهم للحصول على الوقود في جميع أنحاء فرنسا في نهاية هذا الأسبوع، يخشى عدد كبير من المزارعين ألا يتمكنوا من زرع الحبوب الشتوية في الوقت المحدد بسبب نقص الوقود خصوصا في شمال البلاد.

العبور إلى جمهورية شمال قبرص التركية لتعبئة الخزانات
وبرزت أواخر سبتمبر/أيلول الفائت ظاهرة تزايد طوابير السائقين القبارصة اليونانيين المنتظرين عند نقطة العبور للتوجه إلى الشطر الشمالي، مستفيدين من تدهور سعر صرف الليرة التركية وتدني ثمن الوقود.

ويقدّر بعض العابرين لـ”فرانس برس” قدرته على توفير ما يصل إلى نحو 200 يورو في الشهر في حال تعبئة الوقود في الشطر الشمالي من الجزيرة.

ووفق أرقام جمعتها الشرطة منذ مطلع العام الحالي وحتى أغسطس/آب، ازداد عدد السيارات التي توجّهت إلى الشطر الشمالي بأكثر من 3 أضعاف من 197230 إلى 601749 سيارة.

اقتصاد دولي
المركزي التركي يخفض سعر الفائدة للمرة الثالثة إلى 10.5%
صدى أزمة الوقود العالمية يتردد في تونس
وهذا الشهر، تتواصل معاناة التونسيين في البحث عن المحروقات، حيث يتكرر بشكل متقطع مشهد الطوابير أمام المحطات من أجل الحصول على كميات محددة من البنزين الخالي من الرصاص فيما توفر بعض المحطات أصنافاً أخرى، ومنها “السولار البريميوم” وأيضاً الغازول، ما جنّب السيارات التي تعتمد على هذه الأصناف الانتظار في الطوابير.

ويُعد الوضع في تونس من بين الحالات السيئة للدول المستهلكة، حيث أعلنت الحكومة في 18 سبتمبر/أيلول، تنفيذ زيادة رابعة على أسعار المحروقات خلال العام الجاري، في إطار برنامج تعديل أسعار المواد البترولية.

وأتى التعديل “في ظل تواصل ارتفاع أسعار المحروقات في السوق العالمية، نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية، وما تشهده أسواق الطاقة من اضطرابات تتعلق بتقلص الإمدادات وارتفاع كلفة المواد البترولية”.

وشمل التعديل أسعار البنزين الرفيع الخالي من الرصاص والسولار بدون كبريت والبنزين العادي بزيادة 70 مليما للتر الواحد لكل منها”. وبلغ سعر لتر البنزين الرفيع الخالي من الرصاص 2.400 دينار (75.2 سنتا) للتر الواحد بزيادة 70 مليما، بينما صعد سعر الغازوال (السولار) بدون كبريت إلى 2.080 دينار (65.2 سنتا) للتر بزيادة 70 مليما.

كما صعد سعر لتر الغازوال (السولار) العادي إلى 1.860 دينار (58.3 سنتا) للتر الواحد أي بزيادة 70 مليما.

زيادات إضافية لأسعار المشتقات في مصر
وليس الوضع في مصر أفضل حالا، فهي الأخرى دولة مستهلكة بقوة لمشتقات النفط، فيما الضغوط الهائلة على موازنة الدولة تدفع السلطات أكثر باتجاه المزيد من رفع الأسعار والحد إلى أكبر مدى من سياسات الدعم الحكومي.

“بلومبيرغ” تتوقع هبوط الجنيه المصري إلى 24.6 للدولار
في السياق، قفزت معدلات التضخم في مصر مسجلة رقما قياسيا على مدار 4 سنوات، بلغت نسبتها 15.3%، خلال سبتمبر/أيلول الماضي، على أساس سنوي، و1.6% للشهري، في الوقت الذي توقع فيه خبراء مواصلة التضخم الارتفاع ووصوله بنهاية العام إلى 18%، خاصة مع اتجاه الحكومة المصرية لخفض دعم الخبز ورفع أسعار الوقود.

وتخطط الحكومة لرفع أسعار الوقود للربع السابع على التوالي، عندما تجتمع لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، التي لم تحدد موعد اجتماعها الدوري ربع السنوي، الذي يعقد عادة بنهاية الأسبوع الأول من الشهر. وبلغت نسبة الزيادة في أسعار الوقود 28% عما كانت عليه منذ عام ونصف العام.

اليمن يخفض سعر البنزين 10%
وفي اليمن، أعلنت شركة النفط الحكومية في مدينة عدن بجنوب اليمن في الخامس من الشهر الجاري، خفضا جديدا لأسعار وقود السيارات بنحو 10%، للمرة الثالثة خلال العام الحالي، عازية قرارها إلى أنه أتى “تماشيا مع هبوط أسعار المشتقات عالميا”.

وقال مسؤول رفيع في الشركة لـ”رويترز” إنه بموجب القرار، ينخفض سعر صفيحة البنزين سعة 20 لترا إلى 19500 ريال (حوالي 17 دولارا)، أي بواقع 975 ريالا للتر الواحد، من 21800 ريال (19 دولارا).

وكان ذلك ثالث تخفيض لأسعار وقود السيارات خلال العام الجاري.

صراع تصدير الغاز… حرب أخرى تتجدّد في اليمن
وسبق ذلك في 03 سبتمبر/أيلول الفائت، أن سيطرت على العاصمة اليمنية صنعاء أزمة وقود خانقة لأول مرة منذ سريان الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة قبل 5 أشهر، مما يزيد من معاناة السكان.

السودان خفض أسعار البنزين والديزل
وفي الرابع من الجاري، قررت وزارة الطاقة السودانية مراجعة الأسعار الشهرية، حيث تراجعت أسعار البنزين من 700 جنيه سوداني إلى 522 جنيها (0.9235 دولار) للتر. كما انخفضت أسعار الديزل بشكل طفيف من 687 جنيها سودانيا إلى 672 جنيها للتر. (الدولار= 565.2502 جنيها يوم صدور القرار.

شبهات الاحتكار تلف أزمة غلاء الوقود في المغرب
في غضون ذلك، يتطلع المدافعون عن المستهلك المغربي والمنادون بالشفافية في السوق إلى حسم الجدال حول سوق البنزين والمازوت، ليبدد أو يدعم الشكوك حول وجود اتفاقات بين الشركات تنافي قانون حرية الأسعار والمنافسة.

وهذا ما أفضى إلى ارتفاع أسعار المازوت والبنزين إلى أكثر من دولار ونصف في الفترة الأخيرة. وهو الأمر الذي أجج المخاوف من سعي الشركات إلى توسيع هوامش أرباحها على حساب القدرة الشرائية للمستهلكين المتضررين من ارتفاع التضخم، الذي وصل إلى 8%.

وتطالب الجبهة الوطنية لإنقاذ مصفاة سامير المغلقة بـ”ابتكار آلية جديدة للدعم والتعويض عن الضرر الناجم عن غلاء أثمان المحروقات، على غرار ما قام به العديد من الدول، واسترجاع الأرباح الفاحشة المتراكمة منذ التحرير في نهاية سنة 2015″.

أسواق المغرب (جلال مرشدي/الأناضول)
اقتصاد الناس
الأسر المغربية تبعث رسائل متشائمة حول الوضع المعيشي
وكان نقاش استدعاه صدور تقرير من مجلس النواب، قبل 4 أعوام، انصبّ على أرباح شركات الوقود، التي قدرت بحوالي 1.7 مليار دولار منذ تحرير الأسعار، وهي أرباح وُصفت بـ”الفاحشة”.

أزمة وقود العراق وراءها التهريب ومحدودية الدعم
وعلى مدى أسابيع، عانى عدد من المحافظات والمدن العراقية أزمة كبيرة في عدد من المشتقات النفطية وأبرزها البنزين والكاز، لأسباب وصفت بأنها “مفتعلة”.

مواطنون قالوا لـ”العربي الجديد” إن هذه الأزمة ليست جديدة خاصة في محافظة الأنبار، إنما تحدث باستمرار كأنها إجراء مفتعل من قبل شركة توزيع المشتقات النفطية، وتقف وراءها جهات سياسية متنفذة فتحت أبواب التهريب على مصاريعها مستغلة الوضع الراهن للحصول على مبالغ مالية طائلة.
بدوره، رئيس رابطة القطاع النفطي الخاص في العراق، مؤيد الزيدي، قال لـ”العربي الجديد” إن أزمة المشتقات النفطية هذه وتحديداً مادة وقود الكاز، تأتي ضمن خطة ممنهجة الغاية منها رفع الدعم عن أسعار المشتقات النفطية وبالتالي غلاء أسعار الوقود على المواطنين، لذلك عملت على إشغال الناس بالأزمة.

العراق: الرواتب أبرز تحديات الحكومة الجديدة
هلع في ليبيا لتخزين الوقود خوفاً من الحرب
ومع أن ليبيا دولة نفطية ومصدرة، فإن أزماتها المعيشية لا تنتهي، بما في ذلك أزمات الوقود المتقطعة التي تعيشها.

ففي أواخر أغسطس/ آب المنصرم، هرع المواطنون في طرابلس إلى الأسواق ومحطات الوقود وماكينات الصراف الآلي، لشراء كميات من السلع الغذائية والبنزين والأموال بغية تخزينها، فيما بادرت بعض الأسر بالنزوح إلى مناطق آمنة، وسط مخاوف من اندلاع حرب بين الحكومتين المتنافستين على السلطة.

العربيه نت