محمد عبدالماجد يكتب: إضراب نبيل متوكل!
(1)
اذا اردت ان تعرف غياب الدولة وحقيقة اللا حكومة، لا تنظر الى ما يحدث في الشارع من تفلتات ونهب وضرب وما يتم في الحدود من استباحات، لا تنظر الى التهريب الذي يتم عبر مطار الخرطوم الدولي للذهب والقرود والعقارب.. ولا تقف عند التهديدات المباشرة والمعلنة عن (الانفصال) والدعوة له.. اذا اردت ان تعرف غياب الدولة وحقيقة اللا حكومة انظر الى حال المبعدين والإهمال الذي يعانون منه والمرض ينخر في اجسادهم النحيلة والمنهكة ،بعد سنوات العطاء والإبداع والحب الكبير لهذا الوطن.
انظروا الى المبدع والدرامي نبيل متوكل الذي يعاني من المرض والوجع ويرقد طريح الفراش بدون حراك لمدة قاربت من العشر سنوات ان لم يتجاوزها.
اخر استغاثات الفنان نبيل متوكل وصوله لمرحلة عدم القدرة على تناول الطعام والماء إلّا عن طريق (الدربات) وجلكوزات الملح والسكر بعد ان رفض جسمه النحيل القدرة على التعامل مع (الطعام) ليتناوله عن طريق الوريد.
(2)
هذه الوضعية التى يوجد فيها الفنان نبيل متوكل لا تعكس حالته.. وإنما تعكس حالة الدولة والحكومة التى تضن حتى بالسؤال عن مبدع في قامة نبيل متوكل . ظل يضحكنا ويمتعنا لأكثر من ربع قرن وعندما اصبح يبكي ويشكو من الوجع تخلينا عنه وجعلناه يحس بذلك وحده دون ان نشاركه (الحزن) بعد ان كنا نشاركه في (الفرح) الذي ينثره على ربوع البلاد.
هل مطلوب من الفنان نبيل متوكل ان يدخل في اضراب عام وان يتوقف عن الحياة؟ مثل النقابات والمؤسسات التى تضرب وتتوقف عن العمل من اجل زيادة المرتبات فتستجيب لها السلطات بعد الاضراب.
هل مطلوب من (قبيلة) المبدعين ان تفعل مثلما تفعل (القبائل) السودانية ؟ وهي تهدد بالانفصال وتغلق الطرق القومية حتى يتم الاستجابة الى مطالبها.
هل على نبيل متوكل ان يفعل ذلك ؟ وهو لا يريد اكثر من العلاج والدواء وهو يسكن في منطقة طرفية في العاصمة القومية بينما تسكن (10) جيوش لا يستتب (الامن) في حضرتها في قلب الخرطوم في الوقت الذي كان يقدم فيه نبيل متوكل للشعب السوداني الفن والإبداع والفرح والضحك من المسارح والإذاعة والتلفزيون ويدخل لكل بيت سوداني.
هل على اسرة الفنان نبيل متوكل ان تصدر البيانات وتهاجم الحكومة ؟ حتى تشعر بها السلطة وتستجيب لمطالبها.
انهم لا يطلبون اكثر من (الدواء).
(3)
كان الفنان نبيل متوكل في بداية مشواره الفني يبدع من خلال (مسرح الرجل واحد) كما ابدع بصورة مذهلة عندما قدم دراما (صامتة) على تلفزيون السودان القومي قبل اصابته بالمرض الذي اقعده وأوقف نشاطه الفني، الآن نبيل متوكل يقدم (مسرح الرجل الواحد) وهو في فراش المرض دون ان نشاركه الوجع. مسرحه اصبح هو (فراش المرض)… يعاني نبيل متوكل من المرض والإهمال بأوجاع وأحزان (صامتة) يخشى حتى الشكوى منها والإعلان عنها، وان كان طوب الارض يشعر بحالته ويتوجع معه ولا يشعر بذلك اهل السلطة.
نبيل متوكل وهو في هذه الحالة يرفض الهبات ويعف عن الطلب ويبقى الصمود في زمن انكسرت فيه كل القيم.
ادركوا هذا الفنان فقد بح صوتنا .. ولا حياة لمن تنادي ونحن لا ندرك حقاً من الذي يفتقد الحياة؟ هل هي الجهات التى نناشدها ؟ بما في ذلك السلطات ام نبيل متوكل الذي اصبحت حياته معاناة لا تحتمل؟
انه يعيش حياة لا تطاق.
لقد وصل نبيل متوكل مرحلة الغذاء عن طريق (الوريد) وعبر الحقن والمسكنات.
من الذي يحتاج الى العلاج ؟ .. نبيل متوكل المريض ام نحن الاصحاء وحكومتنا التى لا تستجيب إلّا لحملة السلاح؟
(4)
بغم
ألا يوجد في هذه الدولة رجل رشيد او رحيم يلتفت الى معاناة ومرض الفنان نبيل متوكل؟
افرضوا علينا (رسوم فن ) او ضريبة (دمغة ابداع) او (جباية فرح) ليذهب عائدها الى المبدعين اذا كانت ثروات البلاد عاجزة عن الايفاء بحقوق المبدعين وهم في حالة المرض.
لا يعقل ان تجعلوا كل رسومكم في العبور والجبايات والضرائب والجمارك تذهب الى جيوبكم باسم (السلام) ونحن نفتقد الى (السلام) الحقيقي في المجتمع.
السلام الذي يلتفت الى نبيل متوكل ويخفف عنه اوجاعه.
وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).
صحيفة الانتباهة