منى أبوزيد تكتب : أزمة جِيليّة..!
“كل آفاتنا السياسية تبدأ من خطل المُؤسّسة الحزبية، وكلها تنتهي باستقامة عوجها”.. الكاتبة..!
(1)
من القناعات التي تمخّضت عنها جهود المفكر الجزائري “مالك بن نبي” في دراسة المُشكلات الحضارية في عالمنا الإسلامي، قناعة لطيفة مفادها أن التاريخ يجب أن ينتهي في نقطةٍ ما لكي يتجدّد في نقطة جديدة. وعن هذا يقول “يجب أن يفشل التاريخ، يجب أن يفلس التاريخ، ونحن يجب أن نُعلن هذا الإفلاس لكي يشعر الشباب بأنهم على طريق البداية، فإعلان اؤلإفلاس هو أول خطوة في الطريق الصحيح”. لكن الحكومات في عالمنا العرب إسلامي تهمل الشباب فتتحوّل مؤسسات الحكم ومراكز صناعة القرار وأيقونات القيادة في الكيانات الحزبية إلى دُور مسنين كما قال الكاتب المصري الساخر “جلال عامر”. الشباب في سنغافورة على سبيل المثال سبقت قناعة دولتهم بحقهم – في القيادة – تمكينهم من مُمارسة ذلك الحق، وبين البدء بالقناعة والانتهاء بالتمكين كانت مرحلة الإعداد. وعن هذا يقول “لي كوان يو” أول رئيس وزراء لجمهورية سنغافورة – والمؤسس الذي انتقلت الدولة في عهده من العالم الثالث إلى العالم الأول- “بنيت المدارس والجامعات وأرسلت الشباب إلى الخارج للتعلم، قبل الاستفادة منهم لإدارة وقيادة مجتمعهم”. نحن في السودان لا نزال في مرحلة الدعوة إلى أن تتبنّى مؤسساتنا الحزبية – على اختلافها وتباينها – قناعة راسخة بأحقية الشباب في القيادة. وإن لم تحدث الاستجابة، فسوف يظل هذا السودان مبتلىً بأدمغةٍ سياسيةٍ فشلت قبل أن تنضج. وإن لم يشترك الشباب في صناعة الحياة، فهنالك آخرون سوف يجبرونهم على الحياه التي يصنعونها. أو كما قال د. “مصطفى محمود”..!
(2)
واقعنا السياسي في السودان يشهد مفهوماً مُشوّشاً لفكرة البطولة والإنجاز السياسي، وثقافتنا – التي تتكئ في خصوصيتها على موروثاتنا العرب أفريقية – كانت ولا تزال تُضَيِّقُ الخِنَاق على أي معنى جديد لفكرة البطولة السياسية خارج مصطلح “جاموس الخلاء” الذي لا يزال يسعى ويرمِل بين قرارات عاطفية تشوبها الحماسة، وتهور سلوكي يكلله إقدام ساحات الوغى، وغضبات “مضر- زنجية” لا تأبه لمُقتضيات الأحوال الراهنة، ولا تكترث لاعتبارات القوى السياسية الناعمة. “لا تدرك الحقيقة الكاملة إلا عينا تنظر من ربوة الأبدية على الزمن كله”، وعين التاريخ تومئ دوماً نحو المنجزات السياسية، الوفاقية، الإصلاحية، وما عدا ذلك يذهب جُفاء..!
(3)
تطوير التسويق الإعلامي لمفهوم الحكم الرشيد في مُجتمعنا يحتاج حساً إعلامياً براغماتياً في تقييم أزمات، ومطبات، وعلل، وأوجاع، ومزالق، ومهالك واقعنا المعاصر، وهذا يعني ـ من الآخر ـ أن يجتهد الإعلام في زراعة وعي الناخب قبل أن يشترك في صناعة الحاكم. وهُنا تبرز فكرة الوقوف على مدى استعداد هذا المجتمع لصناعة التجربة الديمقراطية المُمتدة، والدور الذي يُمكن أن تلعبه الصحافة في ذلك. ثم تأتي مناقشة فكرة “الحكم الانتقالي” كوظيفة مُؤقّتة للحاكم، في مرحلة محددة، تنتهي بتحقق الإصلاح السياسي والنهضة الاقتصادية، وقياس مستويات أهلية الشعب – اجتماعياً وثقافياً – للخلاص من طبائع الاستبداد، دون أن يكون المخلص نفسه مُستبداً يتحرّى العدل في تهشيم أضلاع الديمقراطية..!
صحيفة الصيحة