مقالات متنوعة

احمد يوسف التاي يكتب: عقلية التخمينات والإنطباعات

(1)

هل سأكون مغالياً إن قلتُ أن 80% من السودانيين تتكون أفكارهم ومعلوماتهم عن الأشياء من حولهم عن طريق التخمين ،ويبنون أحكامهم ومفاهيمهم بناءً على هذه التخمينان والإنطباعات …أي أن معظم معلوماتهم هي نتاج إنطباعات وظنون وتخمينات وشائعات ، ونتائج شكوك تميل إليها النفس فيصدقها العقل… وإذا أراد الواحد منهم أن يُخبِر عن معلومة مهما كانت درجة خطورتها وحساسيتها لايكلفه ذلك إلاعبارة (قالو)..ربما طبيعة الشخصية السودانية المتسرعة المتعجلة التي لاتميل إلى التمهل الإستقصاء، ولا النظامهي وراء ذلك.

(2)

والأهم من هذا أن ما ذكرته أنا في الفقرة أعلاه هو إنطباع وتخمين إذ ليس لدي إحصائية علمية تثبت صدق إدعائي ولكني أخمن ويسوقني إلى ذلك إنطباعي ، ذلك لأني لن أنفصل عن سودانيتي التي تميل إلى الإنطباع والتخمينات والظن الذي لايغني عن الحق شيئاً…. في مسيرة التوثيقات والكتابات الإستقصائية والتحقيقات التي أجريها بحكم المهنة أصادف الكثير من الناس عندما تسألهم عن معلومة في غاية الحساسية وتتطلب قدراً عاليا من الدقة والتمحيص والمعرفة تأتيك الإجابة متسرعة ومندفعة بكل ثقة، وعندما تقف مستوثقاً للدقة وصحة المعلومة تجد أن تلك الثقة تبخرت في الهواء بعبارات التنصل : (والله أنا ما متأكد مية مية لكن شكلو بقول كدى)!!!،أو عبارة ما متأكد لكن بقولو كدى..

(3)

وقد تسمع عبارات هذا الشخص حرامي ، نصاب .. وإذا سألت عن الدليل لن تجد مثقال ذرة من خردل إلا عبارة : (لوما حرامي عاين العربية الراكبا دي).. إذا زادت ثروته، أو نجح في حياته وعبر، أو بنى منزلا جميلاً ، أو اشترى سيارة فاخرة…هذه كلها عندنا ليست قرينة أحوال بل دليل قاطع على اللصوصية والحرامية ..وهكذا يلعب الإنطباع والشائعات وميل النفس دورا كبيرا في تكوين معلوماتنا عن الأشياء من حولنا ..

(3)

الإنطباع السائد لدى الكثيرين عن جهل عقيم أن كل مواطن يسكن شقة في عمارة بالإيجار هو بالتأكيد من أصحاب العمارات السوامق الموعودة بالهدم وإيواء البوم والقطط عندما تندلع الحرب الأهلية التي تعشعش في رؤوس الكثيرين، وربما هذا الشخص مهدد بالطرد لعجزه عن دفع الإيجار.. لكن رغم أنفه هوجلابي ومن النخبة ، طالما أنه يخرج صباحاً من مدخل العمارة ،لذلك لابد أنها عمارته وربما له عشرة أمثالها (ربما ) ليه؟ بل له عشرة أمثالها بدون أي (ربما)..لو كان هذا الإنطباع لدى العامة لابأس في ذلك لكن عندما يصبح جزء من تفكير ومعلومات وانطباعات من يصل مراكز اتخاذ القرار ستصبح هناك مشكلة .

(4)

هذه طبائع المجتمعات التي تنوم وتصحوعلى الشائعات وتغذي أذهانها بـ (قالو) والإنطباعات والتخمينات، وإلى هذا الحد ليست هناك خطورة كبيرة إذا كان الامر متعلق بالأشخاص العاديين .. لكن مكمن الخطرعندما تصبح هذه الإنطباعات الجوفاء هي مركز معلومات رسمي لدى مراكزاتخاذ القرار أوعندما يصل أشخاص بتلك الضحالة والإنطباعية إلى مراكز القرار في الدولة وعليها يبني قراراته ويتخذ سياساته ..اللهم هذا قسمي فيما أملك..

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله وثق أنه يراك في كل حين

صحيفة الانتباهة