زيارة (غودفري) لدارفور .. البحث عن جذور الأزمة!!
جهود دؤوبة يبذلها السفير الأمريكي، المعين حديثاً لدى السودان جون جودفري، منذ وصوله الخرطوم بعد قطيعة دبلوماسية استمرت لـما يقارب الثلاثة عقود” ومنذ قدومه انخرط جودفري في حوار مع فرقاء الأزمة السياسية؛ بغرض الوصول إلى حلول ومخرج من نفق الأزمة، علاوة على زيارته إلى إقليم دارفور، خلال الزيارة التي امتدت لـ(3) أيام، وفد ضم أعضاء من الكونغرس الأميركي وسفارة الولايات المتحدة، التقى خلالها عدداً من المسؤولين الحكوميين البارزين؛ بينهم عضو مجلس السيادة د. الهادي إدريس.
وبحسب السفارة الأمريكية في الخرطوم تتركز أجندة السفير الأمريكي على النهوض بالأولويات المتعلقة بالسلام والأمن والتنمية الاقتصادية والأمن الغذائي، ليصبح السؤال “هل سيفلح جودفري في إحداث اختراق في مسار أزمة دارفور، وبدء عملية الترتيبات الأمنية التي شهدت عقبات كادت أن تعصف باتفاق سلام جوبا؟”.
تعزيز الأمن والاستقرار
بحسب السفير الأمريكي لدى الخرطوم، جون جودفري، فإن الهدف من زيارته إلى الفاشر هو التعرف على مجمل الأوضاع بدارفور، خاصة في ما يلي سير تنفيذ اتفاقية جوبا للسلام في السودان، بجانب التعرف على قضايا التنمية والاستقرار بدارفور، وبحث السبل المثلى لتطوير العلاقات الثنائية، بما يمكن أمريكا من الاضطلاع بدور أكبر في تعزيز الأمن والاستقرار في السودان عامة وإقليم دارفور على وجه الخصوص.
وأضاف جودفري أن برنامج زيارته يتضمن القيام بزيارة ميدانية إلى مخيم زمزم للنازحين (15كلم جنوب مدينة الفاشر)، بجانب عقد لقاء مع المنظمات والهيئات الدولية العاملة بالولاية، فضلاً عن عقد لقاء آخر مع قادة الإدارات الأهلية ولجان المقاومة، وزيارة إلى جامعة الفاشر وزيارة قرية طرة شمال الفاشر.
زيارة مهمة
يقول الباحث والمحلل السياسي احمد عابدين – في حديثه لـ(اليوم التالي) – إن أمر السودان يظل محطة بالغة الأهمية بالنسبة لـ”الولايات المتحدة الأمريكية” فبعد غياب طويل وفتور في العلاقات مع السودان تسعى واشنطن الآن إلى تجاوز عقبات الماضي، ومسك الخيوط في يدها حتى تنفذ مصالحها، وتمكن أقدامها في حقل السياسة السوداني، تابع “يعيش العالم اليوم حالة استقطاب حادة بين روسيا والصين من جانب، وأمريكا من جانب آخر. لذا يأتي اهتمام السفير بهذه اللقاءات والطواف والدعوات، فالفترة الانتقالية فشلت أطرافها في جعل الانتقال الديمقراطي الذي يريده الغرب سهلاً، وفشلت الواسطات في جمع الأطراف السودانية “.
ويرى عابدين أن السفير الأمريكي يبحث عن حل سحري ذي نكهة أمريكية، فيقدم الجزرة ويؤخر العصا حتى يقطع الطريق أمام أي حل مستقل، فالسودان بالنسبة للإدارة الأمريكية منطقة ممنوع المساس بها، وميدان بالغ الأهمية لا ينبغي أن يختطفه أحد، وأضاف.. مع ذلك فإن خطاب البرهان رمى بإشارات مهمة، وستكون عنواناً لتفاوض شاق، مشيراً إلى أن قيادة القوات المسلحة السودانية تفهم أن الوضع الذي يعيشه العالم يصلح للمناورة وتحقيق الأهداف والفوز بالشروط، ووضع حد للابتزاز، وبهذا فإن السفير مطلوب منه ملء جرته بأفكار عديدة؛ حتى يمسك بالخيوط كما يريد، واستطرد عابدين بالقول: الزيارة التي أجراها السفير إلى إقليم دارفور تكتسب أهمية كبرى، خاصة وان الولايات المتحدة الأمريكية تهتم بقضايا السلام وحقوق الإنسان، وأن السفير الأمريكي من المؤكد يحمل حلولاً إيجابية في مسار الأمن والاستقرار بالإقليم، خاصة عقب الاستقرار الذي شهدته المنطقة منذ أكثر من شهرين بعد المصالحات التي تمت على يد نائب رئيس مجلس السيادة، وأضاف “هذا الاستقرار سوف يبعث الطمأنينة ويعزز دور السودان في المحافظة على السلام في مناطق دارفور، بعد ما شهد الإقليم تفلتات أودت بأرواح بعض المواطنين .
حلفاء جدد
من ناحيته يرى المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية، مصعب محمد علي، في حديثه لـ(اليوم التالي) أن زيارات السفير الأمريكي تقرأ في سياق مهمته الجديدة بالسودان، التي تتزامن مع الأزمة السياسية في البلاد، وأضاف.. يمكن قراءة اللقاء مع القوى السياسية لمعرفة الفاعلين السياسيين ودعم التحول الديمقراطي ومعرفة وجهات نظرهم. وتابع.. بالإضافة لذلك فإن زيارة السفير لدارفور يؤكد أهمية الملف السوداني لدى الولايات المتحدة، خصوصاً وأن السفير يعتبر أول سفير بعد 25 عاماً؛ مما يشير إلى أن أمريكا تضع الأزمة السياسية في السودان في أولوياتها الأفريقية، ومحاولة كسب حلفاء في سياق التنافس الروسي الأمريكي في المنطقة.
وقوف ميداني
فيما أكد المحلل السياسي، زهير هاشم، خلال حديثه لـ(اليوم التالي) أن تعيين السفير الأمريكي في الخرطوم له دلالة سياسية، خاصة وأن أمريكا اختارت هذا التوقيت بالذات لهيمنة المكون العسكري منفرداً بتقاليد الحكم، وتابع.. جاء ترفيع الدبلوماسي إلى مستوى سفير كمؤشر يؤكد على أن أولويات والولايات المتحدة في السودان تختصر على دعم التحول الديمقراطي فقط؛ بقدر أهمية ملفات الحرب على الإرهاب والأمن، وتابع: لذلك نجد السفير الأمريكي الذي بعث إلى السودان لديه خلفيات أمنية، مشيراً إلى أن العمل الدبلوماسي المطلوب فيه علاقات بين الدول، المرحلة الأولى يتعرف على المكونات السياسية في البلد، و يكون حريص السماع إليها ويعرف معلومات أكثر عن الوضع في السودان، كوقوف ميداني غير التقارير التي ترفع لهم يومياً، لافتاً إلى أن السفير الأمريكي زار دارفور خصيصاً لأنها لديها خصوصية في الحياة السياسية اليومية في السودان، وهي منطقة ينحدر منها مسؤولون كثر في الدولة في المجلس السيادي و الوزراء ويسيطرون على وظائف مهمة في الدولة، مضيفاً بأن منطقة دارفور حاضرة بقوة في السياسة السودانية، كثير من الاتفاقيات والمبادرات مصيرها متوقف على اتفاقية سلام جوبا، وأردف.. هنالك سؤال يطرح أمام أي مبادرة؛ ما هو مصير اتفاقية جوبا التي بموجبها شاركت حركات دارفور في السلطة، هل تلغى اتفاقية جوبا ويصفر العداد والرجوع إلى نقطة الصفر ؟أم تصاحب الاتفاقية في المبادرات السياسية؟ ويمضي بالقول.. دارفور بما فيها من حرب سابقة وصراع اجتماعي يعني أنها منطقة ملتهبة، وحاضرة في أجندة الداخل والخارج، لذلك أي سفير أجنبى من المؤكد أنه يريد ان يتعرف على دارفور ميدانياً ويصنع علاقات مع المكونات السياسية والاجتماعية هنالك في دارفور.
قضايا محورية
ويقول الباحث في العلوم السياسية والحكم الرشيد، محمد عمر فيصل، في حديثه لـ(اليوم التالي) إن زيارة السفير الأمريكي إلى دارفور تأتي في سياق اهتمام الولايات المتحدة بقضايا السودان المحورية، وخاصة في إقليم دارفور، خاصة وأن إقليم دارفور شهد صراعات خلفت آلاف القتلى، وبها اتهامات على مستوى المحكمة الجنائية، وتابع: لذلك نجد أن السفير الأمريكي حرص على لقاء القوى السياسية في الخرطوم، عززها لقاءاته بزيارته التي أجراها بإقليم دارفور، خاصة وأن دارفور لديها اتفاقية مبرمة في جوبا والآن تمضي بسلحفائية في بنودها، خاصة الأمنية منها، مشيراً إلى بروز أصوات في الآونة الأخيرة تدعو إلى ضرورة مراجعة اتفاق جوبا، كما أن الملف مهم في مصير الاتفاق نفسه، ومواقف الحركات الموقعة على اتفاق السلام بالعاصمة جوبا.
وبحسب فيصل؛ فإن أي مبادرة تطرح لحل أزمة الانتقال وتسهم في الاستقرار السياسي تحتاجها الحقيبة الدبلوماسية الأمريكية في السودان، حتى لا تتحول البلاد إلى ممر لتهريب البشر او بؤرة لتصدير الإرهاب، ومضى بالقول: لذلك يُطرح التساؤل حول اتفاق سلام جوبا، ونصيب حركات دارفور في السلطة، وهل يلغى الاتفاق أم يضمن اتفاق جوبا في مبادرة جديدة، وتمثل حركات دارفور في أي حكومة انتقالية؟.
ويرى فيصل أنه كان من المهم أن يجري السفير الأمريكي زيارة إلى دارفور ويسمع خلالها إلى الآراء حول عدد من الملفات من قادة الحركات حتى يتعرف على الأوزان الحقيقية لهذه الحركات، مشيراً إلى أن ذلك يتيح للإدارة الأمريكية تحديد الحركات التي ستتعامل معها، وتحديد الحركات التي استفادت فقط من اتفاق السلام، وأردف قائلاً : السفير الأمريكي لابد له ايضاً أن يقف على الأوضاع السياسية والاجتماعية بنفسه، حتى يستطيع أن يقيم الوضع الميداني، وبناء على التقييم تتجدد السياسات الأمريكية تجاه دارفور بصورة خاصة؛ وعلى السودان بصفة عامة.
حكومة الأمر الواقع
وفي ذات السياق يقول المحلل السياسي د. محجوب عثمان، في حديثه لـ(اليوم التالي) إن التفاعل الكبير للسفير الأمريكي في السودان مع القوى السياسية السودانية، ومع الرموز الدينية وزيارته للولايات خاصة إقليم دارفور يعكس بوضوح؛ رغبته في توضيح وقوف حكومة بلاده مع شعب السودان، وأنها مع ذلك تحترم تماماً حكومة الأمر الواقع التي يرأسها البرهان، ولن تقدم على فعل شيء يقلل من احترامه واعترافه بسلطتها، تابع عثمان.. “في ذات الوقت هو يرغب في التواصل مع القوى السياسية السودانية لحثها على التوافق السياسي”، لجهة أن الظرف الاقتصادي للسودان صعب للغاية ويتطلب التحلي بالمسؤولية من قبل تلك القوى السياسية السودانية حتى لا تنهار الدولة السودانية، وهذا هو مضمون إعلان قمة جدة. زاد عثمان: هذا يعني أنه في حالة فشل القوى السياسية السودانية في التوصل لتوافق سياسي قد تضطر الحكومة الأمريكية إلى التعامل بشكل كامل مع العسكر؛ لأن الحفاظ على استقرار الدولة السودانية هو الأهم بالنسبة للمجتمع الدولي.
تقرير : الخواض عبد الفضيل
صحيفة اليوم التالي