تحقيقات وتقارير

جبريل إبراهيم .. هل سيغادر المالية؟

قال وزير المالية، رئيس حركة العدل والمساواة، د.جبريل إبراهيم إنه لن يكون خالداً في الوزارة وبمجرد إحساسه بالفشل سيغادر المنصب. حسناً رهن الرجل بقاءه في المنصب بقدرته على تنفيذ الواجبات الملقاة على عاتقه، وهو أمر يعبر عن حقيقة المعادلة بين الحكام والمحكومين البقاء في المنصب لمن سبق بتقديم الخدمة وأداء الواجبات.

تصريحات وزير المالية جبريل إبراهيم في مؤتمر صحفي سرعان ما طرحت الأسئلة، هل سيغادر الرجل العائد إلى الخرطوم محمولاً على أكف اتفاقية جوبا للسلام منصبه؟، وما هي معايير الفشل ودرجاته التي تقود لمغادرة المنصب، أم أن الأمر لا يعدو سوى كونه محاولة حديث الغرض منها امتصاص الغضب الجماهيري الذي يواجهه الرجل وقادة حركات الكفاح المسلح؟.

1
بعد تلويح إبراهيم بامكانية مغادرته المنصب يبدو سؤال الراهن الآن هو المتعلق بكيفية صعوده منذ البداية، حيث تسلم الرجل وزارة المالية عقب التوقيع على وثيقة جوبا للسلام التي أقرت أيضاً تعديلات على الوثيقة الدستورية وأنصبة المشاركة في السلطة حيث آلت وزارة المالية لحركة العدل والمساواة بجانب وزارة الشؤون الاجتماعية، وسبق لجبريل القول بأنه وافق على المنصب من أجل المساهمة في تنفيذ اتفاقية السلام، وهي عملية تحتاج لتوفير الأموال اللازمة، إلا أنه قال في المؤتمر أن الحكومة لا تملك الأموال لتنفيذ بنود الاتفاق.. بالنسبة لجبريل لم يكن من ثمة خيار غير الموافقة، وهي الخطوة التي جعلت الحركة في مرمى نيران الانتقاد على خلفية الاتهامات بان العدل والمساواة حولت الوزارة إلى حاكورة خاصة بها وبمنسوبيها من خلال توظيفهم في الوزارة. مقروناً ذلك بالانتقادات التي واجهت الرجل على خلفية إعفاء رسوم جمركية لعربة تخص نجل شقيقه الراحل، مؤسس حركة العدل والمساواة، خليل إبراهيم في وقت سابق.

2
في السؤال حول مغادرة الرجل منصبه في المالية فإن الأخير وفي ذات المؤتمر الصحفي حذر رئيس حركة العدل والمساواة السودانية والقيادي في قوى التوافق الوطني من الموافقة على تأسيس مجلس أعلى للجيش بديلاً عن مجلس السيادة الحالي، لأنه سيحوز على سلطات واسعة تجعله مسيطراً على جميع الأوضاع في البلاد، وانتقد الطرح المنادي بتكوين حكومة مدنية كاملة وإبعاد الجيش عن السلطة كما أنه أعاب على رئيس بعثة اليونتامس عدم الحياد.
وبحسب جبريل فإن الشراكة بين القوى المدنية والعسكرية هي التي يمكن أن تحافظ على الاستقرار في الفترة الانتقالية، مذكراً بأن هذه الشراكة في الأصل هي فكرة قوى الحرية والتغيير اتفقت عليها مع المكون العسكري في عام 2019. وتساءل عن إمكانية قيام حكومة مدنية انتقالية كاملة الدسم وقال إنهم يرون أنه ليس من السهل القول للجيش اذهب إلى الثكنات في الوقت الحالي. واحتفظت قيادات الحركات المسلحة بمقاعدها في السلطة عقب تنفيذ قائد الجيش لانقلاب على الوثيقة الدستورية في 25 أكتوبر من العام الفائت، وهو ما يعني أن الحفاظ على الشراكة هو بمثابة الحفاظ على نصيب الحركات من الكيكة.

3
جبريل اتهم العسكر بالعمل من أجل الاستحواذ الكامل على السلطة من خلال المجلس الأعلى للدفاع، وقال جبريل إن الجيش لا يرغب في الذهاب إلى الثكنات، وأن قائده متمسك بالسلطة، وأشار إلى أن المجلس العسكري يريد التمتع بكل السلطات السيادية وبسلطات الأمن والدفاع والعلاقات الخارجية والتعاون الدولي بالإضافة لسلطات أخرى يفاوضون فيها الحكومة الانتقالية. وأردف: “في حقيقة الأمر هذا اختطاف للسلطة بكاملها” وهو أمر سيصعب من عملية حدوث انتقال ديمقراطي في البلاد، مؤكداً على أن الانتخابات هي الضامن الوحيد لإرسال الجيش للثكنات لان السلطة المنتخبة هي الجهة الوحيدة التي تستطيع توجيه الجيش بالذهاب للثكنات. وتابع: “اعتقد انه أهون على السودان وعلى التحول الديمقراطي الإبقاء على الوضع القائم بدلا من ننقل الأمر إلى مجلس عسكري أعلى أقرب إلى المجلس الحالي -الذي يسيطر على الأمور في البلاد”.

وفي يوليو الماضي أعلن رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان تشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة بديلاً عن مجلس السيادة حال توافق القوى السياسية على تشكيل حكومة انتقالية معلناً انسحاب الجيش من المفاوضات التي تسهلها الآلية الثلاثية. فيما يظل رئيس حركة العدل والمساواة متمسكاً بنموذج الشراكة الراهنة والتي أنتهت بابعاد قوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي” من السلطة تنفيذاً لمطالب جبريل وحلفائه من قوى التوافق الوطني بعد اعتصام القصر الجمهوري.

4
في ثنايا المؤتمر الصحفي هاجم جبريل رئيس بعثة “يونتامس” فولكر ونعته بصاحب المواقف المعلنة الذي تغيب عنه صفة الحياد لقيادة الحوار وطالب بمغادرته مسرح السياسة السودانية لكنه لم يستجب لأن “جلده تخين” وفقاً لتوصيفات جبريل الذي انتقد كذلك الأمم المتحدة في عدم اتخاذ قرار إبعاد فولكر عقب تزوير التوقيعات. وتابع: “كنا نتوقع أن يتخذ الأمين العام للأمم المتحدة قراراً بسحب الرجل حال ما تبين أنه زوّر توقيعات زملائه في منظمة الإيقاد والاتحاد الإفريقي، وهذا الأمر لم يحدث كما لم يتم الضغط من قبل الدولة على الأمم المتحدة لاتخاذ هذا القرار”.
وفي وقت سابق صدر خطاب من الآلية الثلاثية المكونة من البعثة الأممية والاتحاد الإفريقي ومنظمة “الإيقاد”، وتحديداً في شهر يوليو، بتوقيع مبعوثي الاتحاد والإيقاد، خلال تواجدهم في الخارج يفيد بإلغاء طريقة الحوار العسكري المدني في ذلك الوقت حتى تعيد ترتيب أوراقها بعد انسحاب المكون العسكري من العملية وأنتقد جبريل عجز السودانيين عن حلحلة مشاكلهم بعيداً عن التدخلات الخارجية.

5
بالعودة لتصريحات وزير المالية الذي قال إنه سيغادر في حال فشل في تحقيق غايات وأهداف السودانيين في الحياة الكريمة أو فشل في أداء وظيفته. وقال جبريل إن الوضع الاقتصادي الآن أفضل فسعر الصرف ثابت ومعدلات التضخم في تراجع، كما أنه لا يحس بالتجاوز في قضية الإعفاء الجمركي ، حيث قال إن من يرغب في ممارسة الفساد لن يفعل ذلك في حدود ألف دولار. وبحسب جبريل فإن الحملة التي تواجههم الآن أسبابها هي نجاحهم في خلق حالة من التغيير.

وفي ظل الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد في وقت الراهن بدأت تعلو نبرات المطالبة بإقالة وزير المالية وتحميله وزر هذا التراجع، بل إن البعض تجاوز مطلب إقالة جبريل إلى المطالبة بإلغاء اتفاق سلام جوبا برمته بسبب أن معظم من يديرون شأن البلاد الاقتصادي الآن هم قيادات حركات الكفاح المسلح ومن يطلق عليهم البعض بداعمي انقلاب العسكر على الوثيقة وقبلها على الثورة، مما يجعل من تلويحه بمغادرة المنصب بسبب الفشل أمر لا يمكن حدوثه في الوقت الراهن وأن الأخير سيظل متمسكاً بالمزايا التي حصل عليها حتى آخر نفس.

الخرطوم: الزين عثمان
صحيفة السوداني