محجوب مدني محجوب يكتب: الشخصية المثيرة للجدل
الشخصية المثيرة للجدل هي الشخصية التي تخرج عن المألوف في جميع المجالات، فتأتي بما لم يأت به السابقون، فتلفت الانتباه، وتصبح مثار جدل وحديث الناس.
فهذه الشخصية منها نوعان:
نوع إيجابي وهو الذي يتعامل مع القضايا معاملة إيجابية بمعنى أنه لا يركن للسلبيات التي كان مسلم بها، فيأتي بأعمال تعمل على محاربتها، ومن ذلك في المجال السياسي يذكر وزير التجارة الدكتور محمد يوسف أبو حريرة إبان حكومة الصادق المهدي الحكومة الديمقراطية الثالثة، فهذا الرجل كان يتبع في توليه لوزارته سياسة جعلت منه شخصية مثيرة للجدل حينها حيث ظهر الرجل بسياسة تخدم المواطن، وتسهل عليه معاشه، وهو الأمر الذي لم يكن يركن إليه أحد، ومن ذلك أنه حارب سياسة (السوق السوداء) حيث قفل على التجار الجشعين استحواذ السكر بطرق غير رسمية من خلال الالتفاف على التصاديق بغرض الصناعة، فقام الدكتور أبوحريرة باتخاذ قرارات لم يستطع بسببها أن يحصل التجار على ما يريدون كما غير الدكتور أبوحريرة الطريقة التي يستقبل بها الوزراء والمسؤولون، فهو من كثرة مباشرته الميدانية لعمله منع كل البروتوكولات التي عادة ما تعد للمسؤولين والوزراء، فأوقف كل بنود صرفها، وغيرها من السياسات التي كان يتبعها الرجل وأصبحت مثار جدل وحديث الناس، وهو بذلك لم يكن يحركه ذكاؤه وفطنته فقط بل قبل ذلك كانت تحركه نخوته الوطنية، وإخلاصه وحبه لوطنه.
وظل التجار طبعا يصدعون رأس الصادق المهدي ليل نهار بأن أبعد عنا هذا الرجل الذي عطل مصالحنا وطبعا الحبيب الإمام لا يستطيع أن يعكر صفو أحبائه فعزل الرجل.
والنوع الثاني هو نوع سلبي وما أكثره هذه الأيام، وكثرته اليوم ليس بسبب أنه لم يكن موجودا في السابق بل بسبب أنه الآن صار مكشوفا ومعروفا للكل أما في السابق فقد كان مخفيا ولا أحد يستطيع أن يكتشفه؛ لأن الحكومات السابقة كانت تقوم سياستها على التكتم والإخفاء.
من ضمن الشخصيات المثيرة للجدل والتي ظهرت تحمل الجانب السلبي شخصية عمر أحمد القراي الذي شغل منصب مدير المركز القومي للمناهج إبان حكومة ثورة ديسمبر، فهذا الرجل حقق أعلى درجة في كونه الشخصية المثيرة للجدل حتى أنه لم يسلم من سياسته القرآن الكريم حيث تناول هذا الرجل القرآن الكريم بصورة فجة سطحية كان يمكن أن يحدث بسببها فتنة في السودان لولا أن الله قدر ولطف وأبعد الرجل إذ كان يمكن بسبب استفزازاته وسمومه التي كان يبثها وهو في موقع المسؤولية كان يمكن أن تحرك أحد الغيورين على دين الله ويقوم بذبحه الأمر الذي كان يمكن أن يكون شرارة لنشوب حرب أهلية لا تبقي ولا تذر لولا أن الله صرف الرجل وأبعده قبل أن يحدث شيئا كهذا.
ولم يمكث الناس طويلا إلا وظهر أخر مثيرا للجدل ليس في مجال عقيدة الناس، وإنما في مجال معاشهم وخدماتهم.
جاءنا الوزير جبريل إبراهيم من الغابة يتحدث حديثا من شدة غرابته تساءل الناس هل هذا الحديث بسبب مكوث الرجل في الغابة لفترة طويلة؟
الأمر الذي جعله يصرح ويعمل بأمور أقرب للخيال منها على الواقع حيث اتصف حديث الرجل وكأنه في حرب مع هذا المواطن.
فكل حديثه وأعماله مثيرة للجدل
فمرة يقول بأنه جاء للوزارة من أجل تحقيق مآرب حركته حركة العدل والمساواة، ومرة يقول بأن ميزانية وزارته معتمدة على جيب المواطن، ومرة يقول بأن راتب المواطن لا يكفيه لثلاثة أيام ونجتهد لجعله يكفيه لمدة اثني عشر يوما إلى أن قال اليوم بأنه هو من منح ابن أخيه استثناء جمركيا.
فيبدو أن الرجل بسبب طول مكوثه في الغابة لم يعد يفرق بين ما يقال وما لا يقال، وبين ما يفعل وما لا يفعل.
فهذا المبلغ المالي الذي أعفى عنه ابن أخيه ليس بالمبلغ الكبير حتى يهد به هذا الرجل وزارته ومسؤوليته.
هكذا هي الشخصية المثيرة للجدل غرضها لفت الانتباه، وتشديد تركيز الناس أكثر من أي شيء آخر، فهي أقرب للشخصية المرضية.
فهذا المواطن من شدة ما كثرت عليه الأزمات لم يعد يحتمل عثرة القشة، ليأتي هذا الجبريل كل مرة بقنبلة يفجرها أمامه لدرجة أن المواطن لم يعد يدرك ماذا يتحمل.
هل يتحمل الأزمات الاقتصادية التي لم يعمل جبريل إبراهيم إلا على زيادتها وتفاقمها؟
أم يتحمل عدم أمانته وجرأته في نشرها؟
هذه الشخصيات المثيرة للجدل التي ابتلى الله بها هذا الشعب الطيب المسالم العفوي البسيط ليست أقل سوءا من الفيضانات والسيول وفشل الموسم الزراعي.
فكما انتشرت السيول وعمت جميع أجزاء الوطن وخربت وشردت وقضت على النسل والحرث فقد كثرت كذلك هذه الشخصيات المثيرة للجدل.
تجدها في جميع المجالات، ففي جانب العلاج النفسي تجد لها أشخاصا، وفي جانب الغناء والعروض المسرحية، وفي الجانب الثقافي، وفي جانب العمل السياسي.
نرجو الله ان يصرف هذه الشخصيات من هذا الشعب الذي كثرت عليه المصائب وتعددت كوارثه الطبيعية وكوارثه البشرية.
اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه.
صحيفة الصيحة