حيدر المكاشفي يكتب: لو ما في قيامة كلمونا
أثار اعفاء جبريل ابراهيم وزير المالية سيارة ابن شقيقه الشهيد خليل ابراهيم من الرسوم الجمركية، موجة من السخط ووابل من الانتقادات الحادة لهذه المحسوبية، قابلها قيادات الحركة التي يرأسها جبريل بهجوم مضاد باعتبارها حملة تستهدف جبريل منذ تسنمه المنصب الوزاري، ومضى أحدهم للتقليل من شأن المحسوبية التي مارسها جبريل قائلاً (هل اذا تم إعفاء سيارة واحدة لأواب يعني ان تقوم القيامة)..والحكاية في حقيقتها ليست استهداف ولا بطيخ، فمن يضع نفسه في مرمى نيران النقد فانه يستحقه بجدارة، وكثيراً ما يضع جبريل نفسه في هذا الموضع فاستحق النقد، أما حكاية ان تقوم القيامة لمجرد اعفاء سيارة ابن أخ الوزير من الرسوم كما ذهب الى ذلك القيادي بحركة جبريل، اخترت ان أرد عليها بحكاية (لو ما في قيامة كلمونا).. والحكاية تقول كان أبوكراع رجلاً عربيداً نزقا ومنفلتا من كل قيمة ومن أي خلق، لا يتورع عن فعل أي شئ يجلب له المتعة والمنفعة، لم يكتف بفعل (السبعة وذمتها) كما يقال، بل زاد عليها وتجاوزها بكثير، كل ما يمكن أن يخطر على البال وما لم يخطر عليه من فعل سيئ ومشين تجد أنه قد فعله، ولكن رغم كل هذا السؤ الذي يوصل بعضه الى حبل المشنقة، الا أن أبوكراع كان حويطاً وماهراً في عدم ترك أي أثر أو دليل يوقعه تحت طائلة القانون، وهذا ما جعله يتنبر ويفاخر بأنه من (الخرمو الابرة وضربو الهوا دوكو وحفرو البحر)، كان أبوكراع يعمل سمساراً يسمسر في أي شئ وشعاره الخالد أبداً (طاقية دا في راس دا)، ومثله الشعبي الأثير (يموت حمار في رزق كلب)، هبر مرة هبرة ماكنة ليها ضل، ناءت بحملها كل جيوب الجلابية والعراقي ومخابئ السديري، وهي المرة الأولى التي يحصل فيها على مبلغ بهذا الحجم، بعد فترة الكساد الذي ضربت السوق وأوقفت الحال نتيجة للركود الاقتصادي الذي أدخلت فيه الحكومة البائدة البلاد بسبب سياساتها الخاطئة، كان أبوكراع طوال تلك الفترة وقبل هذه الهبرة حين يسأل عن حاله كيف عامل، كان يقول (عامل فلسطيني) لا أملك أي (شرتيت) ويشرحها بالعربي الفصيح ضاحكا (أي لا أملك شروى نقير)، أما الآن بعد تلك الانتعاشة كان لابد له أن (ينعنش ويفرفش ويمزمز و..و..الى آخر الموبقات)، استقل أقرب تاكسي وطيران الى حلة (حكومة مافي) في أقصى أطراف المدينة، وهي الحلة التي يقول عنها أهلها انها منطقة محررة من كل القيود، بينما يصفها الآخرون بأنها (بالنهار سفر وبالليل خطر)، حط أبوكراع رحاله هناك وغاص في تلك الأجواء لمدة أسبوع غاب فيه عن الدنيا وعن الوعي، وحين بدأ يفيق ويستعيد وعيه صباح اليوم الثامن وجد نفسه في حالة يرثى لها، ملقى وسط أكوام الزبالة وليس على جسده الا سروال التكة، بكى حاله ذاك بحرقة وحرارة ورفع كفيه متضرعا الى الله بكل الصدق أن يتوب عليه، ومن كومة الزبالة الى مسيد سيدنا الشيخ الذي قضى فيه ستة أشهر لا تجده طوالها الا قائما يصلي أو جالسا يتلو القرآن، أو جاثيا بين يدي الشيخ يتلقى عنه المواعظ والدروس .. وفي يوم وبعد أن أصبح أبوكراع شخصا آخرا مختلفا شكلا وموضوعا بعد أن استطالت لحيته وظهرت على جبينه غرة الصلاة، قرر أن يعود الى داره ويمارس حياته الطبيعية بأن يجد عملا طيبا حلالا تساعده عليه (المجموعة) الملقب أفرادها في الحي بالأطهار العباد الزهاد التقاة التي قرر أن ينضم اليها ويؤدي بيعة الولاء، وقد كان، ولكن لم يمض عليه كثير وقت مع هذه (المجموعة)، حتى بدأ يتشكك في بعض أعمالها وتصرفاتها وسلوك بعض أفرادها الشخصي، ولكنه كان كل مرة يستعيذ من الشيطان بحسبان أنه من يوسوس له بهذه الشكوك، مر عليه زمان وهو على هذا الحال بين الشك والاستعاذة، وعندما زاد عذابه من هذا الوسواس، قرر في لحظة حاسمة أن يقطع الشك باليقين ويضع حدا لحالة التوهان التي يكابدها، ولم يكن ذلك بالعسير عليه اذ استطاع بكل يسر وبما يملك من خبرات ومهارات سابقة اكتسبها في (عهد الجاهلية والضلال)، أن ينفذ الى أعماق المجموعة حيث تقبع الأسرار وتتكشف الأفعال التي تناقض الأقوال، فهاله وراعه ما رأى وما وجد وما اكتشف، فصرخ في وجوههم (يا جماعة هوي انتو زمان ما كنتو كدا، ورونا الحاصل شنو، ولو كمان عرفتو انو مافي قيامة كلمونا خلونا نرجع كارنا القديم، وخرج و(المرقة الياها) الى رحاب أخرى أم الى رحاب الله لا أحد يدري حتى الآن وانضم الى ركب المفقودين..
صحيفة الجريدة