مقالات متنوعة

سراج الدين مصطفى يكتب : عبدالرحمن عبدالله .. أبو جمال زينة

(1)

نُدرك ونردد كلنا أن فن الغناء هو ليس مجرَّد لهو أو تسلية فقط، بل هو رسالة ذات قيمة إنسانية، وهو رسالة يشترك فيها الكثير بغية إيصالها، بدءاً بصاحب فكرة القصيدة وناظمها لتلامس الشعور الإنساني، ثم الملحن، ثم المغني، وربما الحلقة الأهم في هذه الدائرة في اعتقادي هي المغني، دون انتقاص للبقية لسبب بسيط، وهو أن المتلقي أي المقصود بالرسالة لن يظل في ذهنه سوى صورة، أو المغني أو.. أو…. ومنها يستوحي مضمون الرسالة، هذا ربما قد يدعوك لطرح سؤال مهم، وهو ما هي سمات الفنان الناجح؟ وهل تكفيه الموهبة وحدها مثلاً؟ وللإجابة على تلك الأسئلة لن تجد أنموذج يشابه الفنان عبدالرحمن عبدالله كنموذج يمكن التوقف عنده للاستشهاد المنطقي والواقعي، فهو فنان يجمع مع ما بين الجدية والتلقائية والاحتراف والهواية والجمال الساحر والقدرات الخارقة والثقافة والوعي وهذا كله هو كوكتيل النجاح الذي تمتع به عبدالرحمن عبدالله.

(2)

تنحدر أسرة الفنان الراحل عبد الرحمن عبدالله من مدينة دنقلا، ولكنهم استقروا في مدينة بارا في حي الركابية، كبقية الدنقلاويين كما يقول الأستاذ الصحفي معاوية حسن يس، في كتابه (تاريخ الغناء والموسيقى في السودان) وفي الجزء الثالث تحديداً، وفي صفحة (614) حيث ذكر أن لقب شهرة عبدالله في ربوع الغرب السوداني هو (ود بارا) وبعد ظهوره على مستوى السودان أضحى لقبه (بلوم الغرب) أو بلبل الغرب، وهما لقبان أطلقهما عليه شيخ النقاد الراحل الأستاذ ميرغني البكري. حيث ولد الأستاذ عبدالرحمن عبدالله في العام 1948م، لأب مستور الحال كان يمتهن التجارة وكان مثل بقية الأباء امتداداً لتقاليد العائلات السودانية المحافظة وإن كان يدندن خلسة بأغنيات مؤسس الغناء السوداني عبد الكريم كرومة.

(4)

بعد ترديده لأغنيات الأخرين، جاءت الأغنية الخاصة الأولى من وحي قصة حب عاشها ولأنه بسيط ببساطة أهل الريف كان يعتقد بأن كل حب ينتهي بالزواج، ولكن والد محبوبته رفض فكرة الاقتناع بزواج ابنته من فنان، ولم يكن الشاعر مرتضى عبد الرحيم صباحي ببعيد عن قصة الحب تلك، فكتب يحاول إبراء جرح صديقه المطرب الصاعد عبدالرحمن عبدالله:

كل يوم من عمري يمضي ..

وأنت بتزيد يا عذاب

كل ما عاش قلبي فرحة ..

تبقي في لحظات سراب

يا عذاب الحب يا نار ..

يا ضباب أشقي العمر ..

(5)

وبعد تلك الأغنية التي تؤرخ لحادثة الحب الضائع، انطلقت الموهبة الحبيسة، ولعل عبد الرحمن عبدالله كان يحتاج لمثل تلك الصدمة حتى تنفجر موهبته الغنائية. ويقول الأستاذ معاوية حسن يس ( بعد ذلك جاءت بعض الأغنيات التي ربما يكون قد نساها عبد الرحمن عبدالله منها أغنية (قماري) التي لحَّنها الموسيقار جمعة جابر، ومع أن التعليم الذي تلقاه كان محدوداً ولكن سعى بجدية لتوسيع مداركه ومعرفته وحصر صلاته بمجموعة من الشعراء الشباب الذين كانوا في قمة حماسهم الشعري وهذا كان من بواكير تجربة عبدالرحمن عبدالله التغني بالفصحى وذلك بقصيدة (جبل التوباد) لأمير الشعراء أحمد شوقي، وبعد ذاك انطلق يجرَّب منهجه في الفن والحياة بعد أن أصبح له صوته الذي يميِّزه عن غيره.

(6)

ومن الذين تعرَّف عليهم لاحقاً في تجربته الفنية هو الشاعر عبدالله الكاظم والشاعر (محمد مريخة) وكانت أول أغنية جمعت بينه والكاظم هي (ست الفريق)، وتقاسم الشاعران مريخة والكاظم معظم أعمال عبدالرحمن عبدالله التي أتي بها للإذاعة. وقدَّم بها نفسه للمستمع السوداني، وفي الواقع أن عبدالرحمن عبدالله هو أول فنان سوداني ترسل له الإذاعة خطاباً بأن عدَّته مطرباً في الدرجة الأولى، بحسب تصنيفها للمطربين، وكان المستمعون لبث الإذاعة السودانية انتبهوا لصوت عبدالرحمن عبدالله خلال ما يقدِّم من أغنيات في برنامج (رسالة كردفان) حيث لفت أنظار أكبر عدد من المستمعين في برنامج (ساعة سمر).

(7)

عاد عبدالرحمن عبدالله للأبيض وواصل إنتاجه الغنائي والتي كان من بينها أغنيته ذائعة الصيت (ضابط السجن) وهي من كلمات الشاعر محمد حامد آدم، ولكن حياة عبدالرحمن عبدالله كانت مشتتة ما بين الأبيض والخرطوم والهجرة إلى عدة دول مثل: دول ليبيا والسعودية واليمن . ومكث في السعودية وفي عاصمتها الرياض حيث باغتته أوجاع الغضروف في الرقبة وذلك نتيجة لحادث انقلاب سيارة في رحلة فنية في غرب السودان، وأضحى طريح الفراش وأسير زياراته للأطباء وظل على ذلك الوضع نحو سبعة أعوام عانى من خلال من التبطل وضيق ذات اليد .

صحيفة الصيحة