سراج الدين مصطفى يكتب : الطيب عبدالله .. الحزن الأنيق
(1)
ذكرت من قبل وقلت إن ثمة علاقة محبة نشأت بين والفنان المبدع الطيب عبدالله .. رغم أن علاقتي به بدأت قبل أن ألتقيه شخصياً من خلال أغنياته التي أحفظها عن ظهر قلب .. وأنا واحد من الذين تشكَّلوا وجدانهم السماعي بأغنياته .. لأن كل أغنية عند الطيب عبدالله تمثل حالة شعورية خاصة لا مثيل لها وبالتأمل في أغنيات مثل السنين وليل الفرح ونبع الحنان وغيرها نجد أنفسنا أمام فنان مهيب كتب اسمه ونقشه بأحرف من نور وإبداع في وجداننا وهو يستحق أن بني له تمثالاً في ناصية كل شارع وفي ركن كل بيت..ولعل مجئ الطيب عبدالله للاستقرار بالسودان هو دافع لتكريم هذا الرجل التكريم الذي يستحقه والذي يوازي عظمة ما قدَّم من غناء عذب وراقي.
(2)
بكل ذلك العنفوان في الفكرة والهمة قصدت منزل الأستاذ الفنان الكبير الطيب عبدالله ..هذا الفنان الذي ظل مهاجراً في دواخلنا وفي أعماقنا عبر أغنياته التي نحفظها جميعاً عن ظهر قلب .. ولعل تلك الأغاني كتبناها يوماً ما، في رسائلنا لمن نحب .. ومن منا لم يكتب في طرف ورقة:
ياغالية يا نبع الحنان .. يادرة يا ست الحسان..
أنا حبي ليك فاق الظنون وإحساسي باقي مع الزمان..
هكذا كتبناها نستجدي حبيباتنا في العمر الباكر من حياتنا .. ولعل الرجل ساهم بقدر فاعل في تشذيب وتهذيب وجداننا السماعي الذي تربى على وقع أغنياته من شاكلة السنين ..فتاتي ..نبع الحنان ..الأبيض ضميرك وغيرها وغيرها من الغناء المعافى والجميل الذي جعل الحزن جزءاً أصيلاً من حياتنا .. مع أن أستاذنا الطيب عبدالله يقول: ( بعض المستمعين والنقاد حصروني في مكان ضيِّق وأنا مررت بتجربة عاطفية حقيقية، ذقت فيها مرارة الحرمان، وتعذبت، فكتبت الشعر بإحساس عاطفتي ووضعت اللحن بطعم حرقتي، وغنيت بحزني الدفين وعبَّرت عن حالي وحال كل محروم مرت عليه مثل تجربتي المريرة.)
(3)
الفنان الكبير الطيب عبد الله فرض مدرسته الغنائية ذات الحزن الخاص وأصبح في زمان ما، هو الناطق الرسمي باسم كل الحزانى والعشاق، أغنياته كانت تعبير حقيقي عن صدق الشعور واحتشاد العاطفة البريئة في أغنياته التي كانت تعبِّر عن تجاربه الشخصية في الحياة، وذلك الصدق واقعيته كان سبباً في أن تكون كل أغنياته جزء من الحياة اليومية السودانية..وحزاينية الطيب عبد الله أكثر ما تتضح في أغنيته الكبيرة ” السنين ” ويتجلى في ” يا غالية يا نبع الحنان ” ويمتد إلى “فتاتي “، ولكن غياب الطيب عبد الله الطويل عن أرض الوطن جعل غنائيته في حدود ضيِّقة ولا تجد مثل ذلك الانتشار القديم.
(4)
ولكن قبل أن ندلف لتفصيل زيارتنا الاقتحامية للأستاذ الطيب عبدالله كان لزاماً أن نراجع بعض من سيرته الذاتية التي تقول: الفنان المطرب الأستاذ الطيب عبدالله اسمه الكامل- الطيب عبدالله أحمد الذبحاني مواليد مدينة شندي 1941 شمال الخرطوم وهو مطرب وشاعر وملحن سوداني من أصل يماني مشهور ذاع صيته وبزغ نجمه عالياً منذ بداياته الأولى في الستينيات في سماء الطرب إبان العصر الذهبي للغناء والفن السوداني. أشتهر الأستاذ الطيب عبدالله بعذوبة صوته ذا الطابع الحزين وتمكنه من امتلاك القرار والجواب في الأداء الغنائي وانتقاء الكلمات الرقيقة البالغة الحساسية وأجمع الكثيرون من معجبيه بأنه فنان استماع بالدرجة الأولى.
(5)
الثراء الإبداعي الذي أكتنف تجربة الأستاذ الطيب عبدالله كان مساره الحزن النبيل ..ولعله يشير على أن زواجه وانفصاله من نعمات حماد، كان تجربة عادية للغاية، ولكن هناك من يزيد معاناته، وهذا أمر عادي فالتجربة انتهت بالطلاق والانفصال، ولم تكن تجربة مريرة، حياته مليئة بأسباب عديدة للحزن والشجن، فقد كتب وتغنى قبل أن يلتقي نعمات حماد وبعدها ولا علاقة لها بهذا الأمر
صحيفة الصيحة