الطاهر ساتي يكتب: صناعة الكوارث..!!
:: بعد إغراقها لقرى المناقل ونهر النيل، فالسيول تجتاح وتحاصر قرى دنقلا أيضاً، والوضع يمكن وصفه بالكارثي.. وتعريف الكارثة هو أي حدث مأساوي يخلف خسائر بشرية أو مادية، أي ليست بالضرورة أن تكون هناك خسائر بشرية ليسمى الحدث المأساوي بالكارثة، فالخسائر المادية تكفي ليكتسب الحدث المأساوي اسم وصفة (الكارثة).. وناهيكم عن ضحايا السيول، لقد بلغت المآسي بالمناقل ونهر النيل لحدٍ أن صار طموح الأسر هناك فقط امتلاك (مشمع وبطانية)، وهذه هي الكارثة..!! :: نعم، فالكارثة ليست هي الأمطار والسيول التي أرسلها قضاء الله الذي يؤمن به أهل السودان، بل هي إدارة المسماة – مجازاً بالسلطات المسؤولة لمخاطر السيول والأمطار – سنوياً – بشكل (غير لائق).. فالإدارة الحكومية هي (الكارثة الكبرى)، وليست أقدار الله التي نؤمن بها.. والعلم الذي عرف الكارثة بالحدث المأساوي، لم يغفل عن تصنيفها.. هناك كارثة طبيعية، ومنها السيول والأمطار، وهناك كارثة من صنع الإنسان، ومنها العجز والفشل.. والذين تجرف منازلهم السيول هم الذين يدفعون ثمن (العجز والفشل)، أي ثمن الكارثة المصنوعة..!! :: بكل ولايات السودان، قرى بأكملها في مجرى السيل، بعلم وأمر وتخطيط وتوزيع السلطات، وهذه هى (الكارثة المصنوعة) التي تصنعها الأنظمة ثم تنسبها للقضاء والقدر.. وشوارع المدائن تحتفظ بمياه الأمطار لحين التبخر أو التسرب إلى جدران المنازل لسوء تخطيط السلطات، وهذه أيضاً (كارثة مصنوعة)، صنعتها الأنظمة ثم تنسبها للقضاء والقدر.. وفي بلادنا تتفاجأ المدائن بالسيول القادمة من بعد آلاف الأميال لجهل السلطات أو تجاهلها تكنلوجيا الإنذار المبكر، والجهل والتجاهل هما الكارثة التي تصنعها الأنظمة ثم تنسبها للقضاء والقدر..!! :: وتتمزق الشوارع قبل أن تكمل العام عمراً لسوء التخطيط والتنفيذ، وهذه كارثة تصنعها الحكومة، ثم تنسبها للقضاء والقدر.. وهكذا.. خلف كل كارثة مصنوعة جهل مسؤول أو عجز مسؤول أو فشل مسؤول أو فساد مسؤول، وأقدار السماء أسمى وأنقى من أن نصفها بصفات العجز والفشل والجهل والفساد.. تلك صفات بشرية، وللأسف تسري كالدم في أوردة وشرايين سلطات التخطيط والتنفيذ.. وبالمناقل، بعد تراكم أنقاض المنازل، وتشرد الأسر، هناك من خرج للناس قائلاً: (إزالة مياه السيول والأمطار بحاجة إلى إزالة بعض الطرق)، أو هكذا يكشفون سوء التخطيط..!! :: وبكل مدن السودان، فالسلطات والشركات هي المتهمة بصناعة الكوارث، لأنها – بالرصف العشوائي – تغلق الشوارع والمصارف مما يؤدي إلى تراكم المياه وانهيار المنازل على رؤوس أهلها، وهذا ما حدث في المناقل.. ولتفادي مثل هذه المخاطر، كل من المطلوب – من السلطات غير المسؤولة – التحلي بالمسؤولية، وذلك بالتفكير الاستباقي للمخاطر، فبالتفكير الاستباقي تقي الحكومات شعوبها من مخاطر السيول والمناطق.. ولكن الحكومات التي تصنع الكوارث، لا يُرجى منها غير التفكير في استجداء الإغاثات، ثم تحويل المناطق المنكوبة إلي (مزارات)..!!
صحيفة اليوم التالي