دبلوماسية فصل المسارات
المتابع لمسار علاقات بكين وواشنطون يدرك بأن التعاون بينهما حتمي، وكذلك الصراع. فالدولتان العظميان بمقاييس السياسية والاقتصاد لديهما القدرة على فصل مسارات التعاطي الثنائي بينهما، فتجدهما تتعاركان في مجال من المجالات بينما تتعاونان في المجال الآخر، وتدفعهما المصالح الإستراتيجية أحيانا إلى تجاوز الخلافات في مجال ما والتعاون في الآخر، وقد شهدنا الأسبوع الماضي كيف هرع وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى بكين يطلب عونها ضد كوريا الشمالية حليفة الصين، بينما كانت بكين تنتظر من كيري العون ضد اليابان حليفة الولايات المتحدة التي تريد مساندة الصين لها لكبح جماع برنامج كوريا الشمالية النووي، بينما ترغب بكين في نفوذ وصداقة الولايات المتحدة مع اليابان لخفض حدة التوتر بين بكين وطوكيو حول أرخبيل الجزر المتنازع عليها.
أمس تدوالت وسائل الإعلام العالمية خبرين يجسدان الفرضية التي ذهبنا إليها بأن الصين والولايات المتحدة أبرع من يفصل مسارات التعاطي الثنائي، فالخبر الأول يشير إلى تعاون بين البلدين في المجال العسكري، وهو أبرز مجالات التعاون الثنائي بين الدول، ويشي عن علاقات دبلوماسية جيدة في الغالب باستثناء الحالة التركية الإسرائيلية، حيث اتفق مسؤولون عسكريون بارزون من البلدين على تعزيز التعاون البراجماتي، وبدء آلية حوار بين القوات البرية، وقال وانغ نينغ، نائب رئيس هيئة الأركان العامة لجيش التحرير الشعبي الصيني، خلال محادثاته مع رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي راي اوديرنو، إن الجانبين توصلا إلى توافق بشأن تطوير نموذج جديد من العلاقات العسكرية استناداً إلى النمط الجديد للعلاقات بين البلدين، بينما تعهد رئيس أركان الجيش الأميركي راي أوديرنو، بـ “دفع العلاقات العسكرية مع الصين، لأن من شأن ذلك حماية السلام والاستقرار في منطقة آسيا المحيط الهادئ والعالم”. وأشار إلى أن “العلاقة بين القوات المسلحة في الصين والولايات المتحدة شهدت تقدماً من خلال التبادلات رفيعة المستوى والمناورات المشتركة خلال العام الماضي”.
هذا التعاون العسكري بين البلدين الذي يشي إلى مرحلة متطورة في العلاقات الثنائية يقابله مسار آخر يشير إلى التوتر السياسي المحموم، حيث يقول الخبر الثاني المغاير تماما للخبر الأول، يقول: استدعي نائب وزير الخارجية الصيني تشانغ ييسوي، القائم بالأعمال في السفارة الأميركية لدى الصين، دانيال كريتنبرينك، للتعبير عن احتجاج بلاده على لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما، الزعيم الروحي للتبت الدلاي لاما، بالرغم من معارضة الصين القوية للأمر.
إذن، دبلوماسية فصل المسارات هي السائدة في علاقات بكين وواشنطون التي تحظى باهتمام كبير لثقل البلدين في المسرح الدولي، وسعى الطرفين لإيجاد صيغة لتعزيز التعاون بينهما في المجالات الاقتصادية والأمنية وتوافق في المجالات السياسية ما استطاعا إلى ذلك سبيلا.
العالم الآن – صحيفة اليوم التالي