تحقيقات وتقارير

هل عاد “النظام العام” في السودان بثوب الشرطة المجتمعية؟

بشيء من التوجس، استقبل السودانيون الإعلان عن تفعيل الشرطة المجتمعية، وعبر نشطاء وحقوقيون عن تخوفهم من أن يكون القرار بمثابة عودة لقانون “النظام العام” الذي بمقتضاه كانت الشرطة تلاحق الفتيات بسبب زيهنّ، فيما أصدرت وزارة الداخلية السودانية بياناً أكدت خلاله أن القرار يعنى بمحاربة الجريمة والقضاء على أوكارها، والتخلص من ظاهرة اللبس الفاضح ومنع آثار العنف.

عودة النظام العام

كثيرون اعتبروا أن الشرطة المجتمعية ما هي إلا وجه آخر لقانون النظام العام، الذي عُرف بأنه قانون قمعي يحد من الحريات. وعمل حقوقيون خلال ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 على تنظيم حملات مناهضة له واعتبروه مهيناً لكرامة الإنسان والمرأة تحديداً، ونجحت الحملات في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 وأُلغي القانون آنذاك. وأكد حينها وزراء الحكومة الانتقالية أنهم عملوا بجد لإلغاء القانون الذي يلاحق أي سلوك يعتقد أنه منافٍ للأدب.

من جهته، قال الناطق الرسمي للشرطة العميد عبدالله بشير البدري لصحف محلية، إن “قرار تفعيل الشرطة المجتمعية سيطبق لأننا كمجتمع لدينا تقاليد وأعراف لا تقبل ارتداء الملابس الفاضحة والظواهر الدخيلة على مجتمعنا السوداني، ونسعى لإحداث شراكة فاعلة بيننا وبين المجتمع من خلال التعريف بأهمية التعاون لحفظ الأمن، وذلك بإقامة محاضرات وأنشطة رياضية وثقافية، ونسعى أيضاً لمنع آثار العنف والمصالحات على المستوى المجتمعي”.

وفي ما يتعلق بالخلفية السياسية للشرطة المجتمعية، قال البدري إن “قرار عودة الشرطة المجتمعية لا علاقة له بالسياسة”. وحول تشبيهها بالنظام العام، أشار إلى أن “القرار لا علاقة له بالنظام العام ولا يمثل الوجه الآخر له”، مستدركاً “هدفنا فقط حفظ الأمن والاستقرار”.

وعن المخاوف التي تعتري الناس في ما يتعلق بالقانون، قال البدري “إذا ثبت أن هناك من يعمل بقانون النظام العام بشكل مخالف سيتعرض للمساءلة”، فيما أكد والي الخرطوم المكلف أحمد عثمان حمزة “دعم حكومته لخطط وبرامج شرطة الولاية وتطوير آلياتها حتى تتمكن من محاربة أوكار الجريمة وتأمين المواطن”.

المحامي أحمد علي قال إن “قانون النظام العام ولائي، فكل ولاية تعتمد قانوناً مختلفاً عن الأخرى، وفي ما يتعلق بولاية الخرطوم، فهو ينص على مواد معينة منها الاستحمام في مياه النيل وغسل العربات في الشوارع العامة والتسول”.

وعن إلغاء قانون النظام العام يرى علي أن “قوانين اللبس الفاضح والخمور والزنا وكل جرائم الأدب تتبع القانون الجنائي. والجميع كان يعتقد أنها خاضعة لقانون النظام العام لأن المحاكمات تتم في محكمة واحدة والنظام العام منظومة من ضمنها شرطة المجتمع التي فُعلت الآن”.

توجس وخوف

مديرة مكافحة العنف ضد المرأة بوزارة التنمية الاجتماعية سليمى إسحق، قالت إن “الفكرة الأساسية والصحيحة لمفهوم الشرطة المجتمعية هي تدريب أفراد من الشرطة ليتعاونوا مع المجتمع، وهي فكرة عالمية وموجودة في كثير من الدول، وهناك مناطق كثيرة تحتاج لشرطة مجتمعية والهدف منها خدمة المجتمع وتقديم الحماية والمساعدة”.

ولضمان نجاح التجربة قالت إسحق إنه “يجب تحسين العلاقة بين الفرد والشرطة وجعل المواطن جزءاً من حفظ الأمن”.

أما عن المخاوف المتعلقة بشرطة المجتمع، فقالت إسحق إن “ما يخيفنا هو تحول هذا المشروع من شرطة مجتمعية خدمية تعمل بمعايير عالمية، لقانون النظام العام واستخدام السلطة بصورة خاطئة ونشر الرعب. ونحن في ظل الراهن السياسي نخاف من سوء استخدام القانون لأن المناخ لا يشجع على الشراكة بين الشرطة والمجتمع، ومدى نجاح التجربة أمر مبهم”، مستدركة “الظروف الحالية تساعد على عودة النظام العام في ثوب آخر، خصوصاً أن النظام السابق ما زال موجوداً في الصورة”.

اندبندت عربية