مقالات متنوعة

التاج بشير الجعفري يكتب: السياحة في السودان .. واقع القطاع والعمل المطلوب!!

بقلم – التاج بشير الجعفري

استعرضنا في المقال السابق (مساهمة قطاع السياحة في إقتصادات الدول!) أهمية قطاع السياحة في إقتصادات بعض دول العالم من خلال نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول؛ كما تطرقنا كذلك لمساهمة قطاع السياحة في أقتصادات بعض الدول العربية والتي تراوحت بين 8% إلى 27% بناء على بيانات العام 2019 (تقرير صندوق النقد العربي – أكتوبر 2020) وهي نسبة معتبرة إذا علمنا أن مساهمة قطاع السياحة في إجمالي الناتج المحلي لدولة قطر مثلا في عام 2019 بلغ 8.3% أي حوالى 15.1 مليار دولار.
بالإضافة إلى ذلك فإن المساهمة التي ترفدها السياحة للناتج المحلي الإجمالي للدول العربية تعكس حرص هذه الدول على تنمية مقدراتها السياحية وتطوير بنياتها التحتية والإستفادة من كل مواردها المتاحة في هذا الشأن، وقد نجحت العديد من هذه الدول في تنفيذ الإستراتيجيات التي وضعتها لتحقيق هذا الهدف.

أما إذا تحدثنا عن السودان فالجميع يعلم الثروة الأثرية والطبيعية الهائلة التي تتوفر عليها جغرافيته الممتدة مع وجود ميزة تفضيلية تتمثل في تنوع المعالم والوجهات السياحية في مناطق البلاد المختلفة ففي الشمال نجد الآثار التاريخية والأهرامات والصحاري والرمال الممتدة؛ وفي الشرق نجد الجبال و المنتجعات والسياحة البحرية؛ أما غرب البلاد فيتجسد فيه سحر الطبيعة والخضرة والأشجار المثمرة والمياه المتدفقة التي تنساب على سفوح “جبل مرة” والمعالم السياحية الأخرى ليشكل كل ذلك منظرا خلابا يصعب تصوره (كما وصفه شاعر الأغنية: لو زرت مرة جبل جبل مرة .. يعاودك حنين طول السنين تتمنى تاني تزورو مرة).
ولا ننسى كذلك الجنوب الشرقي من بلادنا الحبيبة حيث تمتد “محمية الدندر للحياة البرية” والتي تمتزج فيها بيئة السافنا الغنية بشجيراتها المختلفة مع أشجار الدوم والسنط والطلح بالإضافة للمسطحات المائية المخضرة التي توفر بيئة مثالية لإحتضان الحيوانات والطيور والزواحف بمختلف أنواعها ليشكل هذا التنوع الحيوي النادر منظرا طبيعيا وخلابا، ويضفي على المكان مشهدا نابضا بالحياة وسحرا بديعا لا يقاوم.

إذن تلك هي مقومات السودان السياحية المهولة التي لم تستطيع البلاد ترويجها للعالم حتى تستفيد منها كمورد إقتصادي ومالي هام لخزينة الدولة؛ وهذا يقودنا بالضرورة لكيفية معالجة أوجه القصور التي أدت لعدم الإستفادة من هذه الموارد الطبيعية النادرة.

وأول ما ينبغي أن نوصي به في هذا الشأن هو أن تقوم الجهات المعنية بقطاع السياحة في البلاد بوضع إستراتيجية شاملة وواضحة المعالم وقابلة للتنفيذ ومحددة الأهداف، وذلك لتطوير القطاع السياحي والنهوض به؛ وعندما نقول “إستراتيجية” فذلك يعني خطة متكاملة لعدة سنوات، تكون قائمة على تقييم سليم ودراسة مستفيضة لواقع السياحة الحالي، على أن يتم التخطيط لتنفيذ المشروعات والبنيات التحتية المقترحة حسب الأولوية والأهمية النسبية للأهداف والمشاريع المراد تحقيقها.
وبما أن مثل هذه الإستثمارات تتطلب سنوات عديدة لتحقيق العوائد المستقبلية المستهدفة؛ ونسبة لعدم توفر الأموال اللازمة لتطوير قطاع السياحة من قبل الدولة، فإننا نقترح أن يتم تمويلها من خلال السندات والصكوك طويلة الأجل كما سيرد لاحقا في هذا المقال.

أيضا عند الخوض في معوقات ومشاكل وتحديات قطاع السياحة في البلاد، يقفز للسطح القصور الإعلامي في التعريف بمعالمنا ووجهاتنا السياحية، وتلك مسألة مهمة وإن تم إهمالها خلال الفترات الماضية إلا أنه يمكن القيام بها الآن بقليل من الجهد وفي وقت وجيز وعلى أعلى مستوى نسبة لتوفر المعينات التقنية والربط الإلكتروني الذي سهل الكثير في هذا الصدد.

ولكن تبقي معضلة البنيات التحتية التي يحتاجها القطاع حتى يصبح بالمستوى المطلوب لاستقبال الزوار من كل دول العالم؛ ويتمثل ذلك في تأهيل وتطوير المطارات القائمة وإنشاء مطارات جديدة بالقرب من المناطق السياحية وتعبيد الطرق أو إنشاء شبكات سكك حديدية وتوفير وسائل النقل البري المريحة بالإضافة للفنادق والمطاعم وتأهيل الكادر البشري الذي يعتبر العامل الاساسي في النجاح.

وبما أن مثل هذه الإستثمارات تحتاج إلى تمويل كبير ليس بمقدور الدولة بمفردها توفيره في ظل الظروف الحالية؛ لذلك أقترح إنشاء صندوق استثماري لتنمية وتطوير القطاع السياحي، تساهم الدولة في رأس ماله بالإضافة لشركات الإتصالات العاملة في البلاد كجزء من مسؤليتها المجتمعية نظير الأرباح الطائلة التي جنتها من جمهور المشتركين في خدماتها؛ على أن يتم طرح جزء من رأس مال الصندوق المقترح أيضا كسندات “أو صكوك دين” داخلية تباع للجمهور والمؤسسات التجارية الخاصة لآجال طويلة تتراوح بين 10 – 15 عاما وأن يتم دفع أرباح سنوية مجزية لاصحاب هذه الصكوك.

أخيرا؛ من المهم أيضا أن تتبنى وزارة الثقافة والإعلام استراتيجية إعلامية جادة وواضحة للترويج للسياحة في البلاد من خلال برامج منتظمة عبر وسائل الإعلام المحلية المختلفة (قنوات فضائية؛ إذاعات، صحف، مواقع الكترونية، ندوات تعريفية) لأجل المساعدة في الترويج للسياحة والتعريف بأهميتها في دعم الإقتصاد وذلك باستضافة المختصين في المجال الإقتصادي والمالي والسياحي.🔹

صحيفة الانتباهة