اقتصاد وأعمال

يوم القمح العالمي.. “تحرير” الحبوب الأوكرانية خطوة أولى نحو الانتصار على الجوع

اليوم، تنفس العالم الصعداء، وانقشعت عن صدره غمامة سوداء مشبعة بأدخنة الحرب؛ فقد رسم إبحار أول سفينة من ميناء أوديسا للمرة الأولى منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير الماضي؛ أحلاماً وردية للعالم في مواجهة أزمة الغذاء القاسية، كما وضعت هذه الخطوة “الجبارة” حجر الأساس في بناء الثقة للانتصار على جوع “قاهر” لا يزال يطعن الإنسانية، ويفتك بدول فقيرة، ويهدد الأمن الغذائي العالمي.

وتحمل هذه السفينة التي انطلقت من ميناء أوديسا، شمعة أمل لـ”انفراج العالم”، وهي الأولى التي تغادر ميناء أوكرانياً منذ الحرب التي تسببت في وقف حركة الشحن في البحر الأسود منذ خمسة أشهر‬‬، فيما تنتظر 16 سفينة أخرى في موانئ البحر الأسود وقت مغادرتها.

وأمكن تسيير السفينة بعد أن توسطت تركيا والأمم المتحدة في اتفاق لتصدير الحبوب والأسمدة بين روسيا وأوكرانيا في يوليو الماضي، وهي خطوة مهمة نحو فتح الطريق أمام ملايين الأطنان من الحبوب المكدسة في البلاد.

وسترسو السفينة رازوني قبالة ساحل إسطنبول في البسفور بعد ظهر غد الثلاثاء،

وستواصل طريقها إلى وجهتها إثر عمليات تفتيش في اسطنبول من قبل فريق مشترك لمندوبين من روسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة وتركيا”، بحسب ما ذكر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار.

وفي الوقت الذي أعلن فيه برنامج الغذاء العالمي عن نيته شراء وشحن 30 ألف طن من القمح من أوكرانيا، أبدى الكرملين تفاؤلاً كبيرا بهذه الخطوة، واصفا إبحار أول سفينة محملة بالحبوب من أوكرانيا بالأمر “الإيجابي جداً”.

وتسببت الحرب الروسية الأوكرانية التي بدأت يوم 24 فبراير في أزمتي أغذية وطاقة على مستوى العالم وحذرت الأمم المتحدة من مجاعات محتملة العام الجاري.

وتسهم روسيا وأوكرانيا بقرابة ثلث صادرات الحبوب العالمية. لكن العقوبات الغربية على روسيا والقتال بطول الساحل الشرقي لأوكرانيا حال دون الخروج الآمن لسفن الحبوب من الموانئ.

شراء 30 ألف طن

ويعتزم برنامج الغذاء العالمي شراء وتحميل وشحن 30 ألف طن من القمح من أوكرانيا، على متن سفينة مستأجرة تابعة للأمم المتحدة، بحسب ما قاله المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة في بيان له.

وأفادت وكالة “بلومبرج” للانباء اليوم الاثنين بأن الأجراء يأتي “تماشيا مع الروح الإنسانية” بهدف السماح للسفن بالإبحار من الموانئ الأوكرانية.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، أعرب في أواخر يوليو الماضي عن ارتياحه إزاء اتفاق إنهاء حظر تصدير الحبوب الأوكرانية، واصفا إياه بأنه “بصيص أمل”.

ويفتح الاتفاق الطريق أمام صادرات غذائية تجارية واسعة النطاق من ثلاثة موانئ أوكرانية رئيسية على البحر الأسود هي أوديسا وتشورونومورسك ويجني، إنها اتفاقية للعالمن بحسب جوتيريش.

وأضاف أن شحن الحبوب والمخزونات الغذائية إلى الأسواق العالمية سيساعد على “سد فجوة إمدادات الغذاء العالمية” واستقرار أسعار الغذاء العالمية.

وشكر جوتيريش أوكرانيا وروسيا، بالإضافة إلى تركيا على وساطتها، محذرا في الوقت نفسه من أن جميع الأطراف لا بد أن تفي بالتزاماتها.

الكرملين يرحب

ورحب الكرملين الإثنين بإبحار أول سفينة محملة بالحبوب من مرفأ أوديسا في جنوب أوكرانيا بموجب خطة لاستئناف صادرات الحبوب التي توقفت في أعقاب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

واعتبر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف “مغادرة أول سفينة، أمراً إيجابيا جدا. وفرصة جيدة لاختبار فاعلية الآليات التي تم الاتفاق عليها خلال اتفاق اسطنبول”

ويهدف الاتفاق إلى السماح بالمرور الآمن لشحنات الحبوب من وإلى موانئ أوديسا وتشورنومورسك وبيفديني.

وتنفي موسكو مسؤوليتها عن أزمة الغذاء ملقية بالمسؤولية على العقوبات الغربية لتسببها في إبطاء الصادرات، وعلى أوكرانيا لتلغيمها المياه المحيطة بموانئها.

منع جوع العالم

وأشادت أوكرانيا بانطلاق أول سفينة شحن محملة بـ26 ألف طن من الحبوب من ميناء أوديسا، ووصفت العملية بأنها نجاح كبير بعد ثلاثة أشهر من المفاوضات.

ووصف وزير خارجية أوكرانيا ذلك بأنه “يوم ارتياح للعالم” خاصة للدول المهددة بالأزمات الغذائية والجوع بسبب تعطل الشحنات.

واتخذت أوكرانيا، ومعها شركاؤها، خطوة أخرى لمنع جوع العالم، وفق تعبير وزير البنية التحتية الأوكراني أولكسندر كوبراكوف.

وقال كوبراكوف إنه من خلال إعادة تشغيل ثلاثة موانئ، يمكن لأوكرانيا كسب أكثر من مليار دولار، ما سوف يتيح التخطيط في القطاع الزراعي.

وفي وقت سابق اليوم الاثنين، قال وزير الدفاع التركي إن السفينة رازوني التي ترفع علم سيراليون متجهة إلى لبنان.

وقال وزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا على تويتر “يوم الارتياح للعالم، خاصة لأصدقائنا في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا مع مغادرة أولى شحنات الحبوب الأوكرانية أوديسا بعد شهور من الحصار الروسي”.

وترسو 17 سفينة شحن في موانئ البحر الأسود بحمولات تبلغ نحو 600 ألف طن معظمها حبوب، بحسب مسؤولين في الرئاسة الأوكرانية.

إيرادات

وسيوفر فتح الموانئ ما لا يقل عن مليار دولار إيرادات بالنقد الأجنبي للاقتصاد الأوكراني وسيسمح للقطاع الزراعي بالتخطيط لموسم الزراعة العام المقبل، وفق وزير البنية التحتية أولكسندر كوبراكوف عبر فيسبوك اليوم الاثنين.

أمريكا تراقب

ورحبت السفارة الأمريكية في كييف باستئناف الشحن لكنها قالت إن ” العالم سيراقب العالم استمرار تنفيذ هذا الاتفاق من أجل إطعام الناس في أنحاء العالم بملايين الأطنان من الحبوب الأوكرانية المحاصرة”.

قطب الحبوب

وقتل قطب الحبوب الأوكراني أوليكسي فاداتورسكي، مؤسس ومالك شركة الزراعة نيبولون وزوجته قُتلا في منزلهما، بحسب ما ذكر حاكم ميكولايف، فيتالي كيم.

واحزن مقتل رجل الأعمال، فاداتورسكي، أحد أغنى أغنياء أوكرانيا، لرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي قال: إنه “كان يبني سوقا حديثة للحبوب مع شبكة من محطات الشحن والمصاعد”.

ووفق خطاب زيلينسكي الليلي “هؤلاء الأشخاص، هذه الشركات، بالتحديد في جنوب أوكرانيا، هم الذين يضمنون الأمن الغذائي للعالم. كان ذلك يحدث دائما، وسيحدث مجددا”.

وخلص زيلينسكي إلى القول: إن أوكرانيا قد تحصد نصف الكمية المعتادة فقط هذا العام بسبب اضطراب الزراعة جراء الحرب. وأفاد مزارعون أنهم حاولوا الحصاد بين القصف الروسي لحقولهم والبلدات والقرى المجاورة.

الحبوب والحرب

ميدانياً، لا تزال الحرب مستعرة في جنوب وشرق أوكرانيا على الرغم من الانفراج في شحنات الحبوب.

فقد قتل ثلاثة مدنيين في قصف استهدف المنطقة منطقة دونيتسك خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية بينهم اثنان في باخموت والثالث في سوليدار القريبة، بحسب بافلو كيريلينكو، حاكم منطقة دونيتسك.

وتتعرض باخموت، وهي مدينة صناعية هامة ومركز نقل، لقصف شديد منذ الأسبوع الماضي في إطار محاولة قوات الروسية السيطرة على دونيتسك بالكامل، وهي متصلة بمدينتي ليسيتشانسك وسيفيرودونيتسك في منطقة لوجانسك، التي تحتلها روسيا كلها تقريبا.

وقال حاكم لوجانسك سيرهي جايداي إن الطريق مهم لتوصيل الأسلحة للأوكرانيين الذين يقاتلون في سيفيرودونيتسك ولإجلاء الناس من تلك المنطقة.

واستهدفت الضربات الروسية اليوم الاثنين، خاركيف أيضا، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا وتقع قرب الحدود مع روسيا، بحسب حاكم خاركيف، أوليه سينيجوبوف

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن روسيا تنقل بعض القوات من دونباس إلى منطقتي خيرسون وزابوريجيا في جنوب أوكرانيا.

وضمت روسيا شبه جزيرة القرم في 2014 وتقول كييف إن موسكو تسعى لضم دونباس وربطها بالقرم في الجنوب.

وقصفت الصواريخ الروسية أمس الأحد مدينة ميكولايف الساحلية الواقعة على مصب نهر بوك قبالة البحر الأسود على حدود منطقة خيرسون التي تحتل روسيا معظمها.

وشنت القوات الروسية أكثر من 12 هجوما صاروخيا، ربما هي الأعنف على المدينة خلال الحرب الدائرة منذ خمسة أشهر، أصابت منازل ومدارس مما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة ثلاثة آخرين، وفق رئيس بلدية ميكولايف، أولكسندر سينكيفيتش.