محجوب مدني محجوب يكتب: السياسي والداعية أيهما يقود الآخر؟
تذكرت في فعالية “الهند وجهة علاجية” أحد المرضى من قرابتي في مستشفى أمريكي في فيرجينيا، وكانت الطبيبة المشرفة على علاجه هندية، أجلت البصر حينها يمينا وشمالا فوجدت عددا الكوادر الطبية الهندية، من الواضح جدا لي أنهم ليسوا أبناء مهاجرين لأن لهجتهم هندية قاسية جدا، ولا صلة لها بأمريكا إطلاقا، مما يعني أنهم جائوا بتعاقدات عمل، وهذا يعني أن الأطباء الهنود مطلوبين لذاتهم في أمريكا. سألت هل هذا المستشفى فيه تعاون هندي – أمريكي؟ قالوا لي لا، ولكنه يعتمد على أفضل الأطباء في كل مجال، وصادف أن معظمهم من الهند، وبعضهم غير مقيم في أمريكا، يأتي للزيارة ثم يغادر لدولة أخرى.
فسر لي هذا الأمر حديث السفير الهندي بالسودان مبارك باوا في المنشط حيث تحدث عن هذه النقطة بالتحديد وأن الدول الغربية تميزت بالسبق في التكنولوجيا الطبية لكن تميزت الهند بالكادر الطبي، والتفوق التكنولوجي في الطريق بإذن الله.
همست إلى أذن جليسي في الفعالية، هل تم تشكيل حكومة الكفاءات ونحن ما جايبين خبر؟ وزير الصحة المكلف أو القائم بالأعمال – لا أدري ما هو الفرق في الصلاحيات – هيثم عوض الله، تنطبق عليه المواصفات المطلوبة كلها إلا واحدة وهي الأهم بكل أسف، أنه لم ترشحه قحت ولا حاضنة محلية ولا دولة خارجية ولا سفارة أوربية ولا حتى فولكر، حقيقة نحن في زمن المهازل السودانية حتى يكون هذا هو الشرط الأهم.
هو شاب ومتحدث ذرب اللسان بالإنجليزية والعربية، ويتحدث عن تفاصيل مجاله ولم أرصد غمغمات ولا همهمات بين منسوبي وزارته كما تجاوز بمقدار جيد جدا استطلاع الرأي العشوائي الذي طرحته على عدد من الحضور من الأطباء والصحفيين وكان عبارة عن سؤال، “دا منو؟” بشيء من اللامبالاة، وبعدها تأتيك الونسة السودانية سلبا وايجابا قبل أن تكمل “اعداد فنجان القهوة بالحليب”!
حقيقة كان يوما رائعا في فندق كانون في الخرطوم في ضيافة عدد من المؤسسات الطبية الهندية ووزارة الصحة السودانية والسفارة الهندية بالخرطوم، وأهم ما فيه مستوى الحضور والنقاش والمقترحات.
كانت القصة الإيجابية المسيطرة على مجريات النقاش هي نجاح أول عملية زراعة كبد في السودان في مستشفى علياء بمعاونة طاقم طبي هندي زائر، وسنأتي عليها بالتفاصيل في عمود لاحق حتى نخصص هذه المساحة لأسئلة مهمة.
أحد الأسئلة كان في ذهني طوال المنشط وعززه مدير الصحة ولاية الخرطوم الدكتور محمود القائم، وهو ضرورة وجود أفرع لمؤسسات علاجية هندية بالسودان مثلما توجد مستشفيات صينية، أو تعاون بين مؤسسات هندية وسودانية.
بالرغم من أن ما حدث في مستشفى علياء يؤكد أن هذا توجه الهند والسودان معا، فما تم من عملية زراعة الكبد هو توطين لخبرات في السودان برعاية ودعم هندي.
أهمية السؤال وما تحدث عنه القائم هو أننا لا نريد تأسيس العلاقة على “تصدير المرضى السودانيين للهند”، المستفيد في هذه الحالة وكالات السياحة العلاجية والمؤسسات الهندية فقط.
نحن نستعجل أحيانا في النقد، وكثيرا ما نكون نحن السبب في عزوف المؤسسات الدولية الصديقة من افتتاح أفرع وتعاون في السودان، ودونكم حقبة لجنة التمكين التي لا تزال قضاياها مع شركات أجنبية معلقة في المحاكم وبسببها يتعرض السودان لمطالب تعويضات ضخمة كما في حالة “البرج الماليزي”.
إذن السؤال يعود للسودان مجددا، يجب إبعاد البيئة الإستثمارية من الشد والجذب السياسي أولا، ويجب أن تكون معالجة القضايا حتى التي تصل إلى مزاعم فساد واضح بطريقة “ففهمنها سليمان” وللشرح فقد قضى سليمان عليه السلام بأن يأخذ صاحب الغنم حديقة المتضرر لمدة عام فيسكن فيها ويعمل ويصلحها مما أتلفته أغنامه ويأخذ صاحب الزرع الأغنام فيستفيد منها ومن نتاجاها لمدة عام، وقد كان الحكم السابق هو مصادرة الغنم لصالح صاحب الأرض.
منطق الانتقام والدعاية السياسية في محاربة الفساد يقود إلى مصادرة الأغنام والأرض وتعيين ثوار وناشطين لإدراتها، وإيداع المزارعين والرعاة السجن، وتهديد القضاة بالفصل من الخدمة.
كانت هنالك عشرات الحلول البديلة لمعرفة الحقوق والإتهامات وإحقاق الحق واسترداد الأموال، لكنه كان موضوعا مسيسا بامتياز، والنتيجة أننا في الحديث عن مطلب سوداني بتوطين مؤسسات هندية نحتاج لتقليب هذه الدفاتر المتسخة.
صحيفة الانتباهة