يوسف السندي يكتب.. الفتن القبلية
يوسف السندي
هل المشاكل القبلية وليدة اليوم؟ هل هذه الفتن المنتشرة هي فتن حديثة ظهرت خلال هذه الايام فقط؟ كلا ولا، هذه الفتن والمشاكل موجودة اصلا منذ سقطت بلادنا في أسر الحكم الشمولي الظالم، واستمرار الحكم الشمولي يعني استمرار وجودها.
قبل ٦٠٠ سنة قال الفيلسوف العربي إبن خلدون في مقدمته الشهيرة : ( اعلم ان العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بامالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذ من أن غايتها ومصيرها انتهابها من ايديهم. واذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت ايديهم عن السعي في ذلك، فإذا كان الاعتداء كثيرا عاما في جميع ابواب المعاش، كان القعود عن الكسب كذلك، لذهابه بالامال جملة، فكسدت أسواق العمران وانتقضت الأحوال وابذعر( تفرق) الناس في الافاق في طلب الرزق، فخف ساكن القطر، وخلت دياره و خربت أمصاره ).
هذه الصورة التي ذكرها الفيلسوف بن خلدون تصور مشهد السودان الان بعد سنين طويلة من الحكم الشمولي الظالم، حيث قل الإنتاج واتجه الشباب بالملايين نحو الهجرة حتى وصل بهم الأمر إلى المغامرة بحياتهم عبر ركوب (السمبك)، وخربت البلاد بالفتن والمشاكل.
ليس السودان وحده، بل في كل مكان في العالم حيثما وجدت شمولية وطغيان وجدت بلادا منقسمة وخربة وفتن كقطع الليل المظلم.
بيد ان الطغيان أثناء فترة حكمه يستخدم سلاح الردع الجائر لكي يغطي على هذه المشاكل والفتن، ومتى ما رفعنا هذا الطغيان، ظهرت الفتن والمشاكل التي صنعها من قبل.
لذلك التفكير القائل بالعودة إلى الشمولية لضمان غياب الفتن، هو فكر غبي لا يعالج الازمة وانما يؤخر ظهور الفتن، ويعرض البلاد إلى مزيدا من التدهور الانهيار.
نحن ندفع الان ثمن استمرار الانظمة الشمولية لفترات طويلة في بلادنا، فقد استطاعت هذه الانظمة خلال هذه المدة الطويلة تغذية كل عوامل الفتن والأنقسام في المجتمع، وجعلته مجتمعا جاهزا للانفجار لاتفه الاسباب.
لذلك ليس أمامنا الا مواصلة السير في طريق بناء الدولة المدنية وحكم القانون واقرار العدالة والمساواة بين جميع السكان، فهذا هو الطريق الوحيد الذي سينجي البلاد من الفتن ويقودها للمجد، هو الطريق الذي سلكته البلاد المتطورة التي يهاجر إليها شبابنا عبر رحلات الموت بالسمبك، وهو ذات الطريق الذي تسلكه ثورة ديسمبر وشبابها المناضل، فهل يعي الغافلون الدرس؟!
صحيفة التحرير