جولة بايدن وقمة جدة .. حصرية الحضور وشمولية الرسائل
القمة الخليجية الأمريكية التي انعقدت بمدينة جدة السعودية والتي كانت حضورا فيها دول الاردن ومصر والعراق تعد الحدث الأهم على مستوى العالم في هذه الأيام، وقد جسد تنظيم القمة من حيث الحضور والمكان ارتباط مصائر المنطقة ببعضها بعضا وببقية العالم، وفضلا عن ذلك فقد جسد عنوان القمة (الأمن والتنمية) أهم مطلوبات الاستقرار التي تحتم على الجميع (حتى من لم يكن حضورا للقمة) الانخراط في التعاون لتحقيق هذه المطلوبات في الوقت الراهن، وهذا مايفسر تطرق البيان للاوضاع في السودان وفي دول عربية في المنطقة تعيش اوضاعا استثنائية مثل اليمن وليبيا وسوريا ولبنان٠
فالسودان وأن لم يكن ضمن حضور القمة فان الاوضاع فيه لم تغب عن الاجتماعات عالية المستوى التي شهدتها هوامش القمة، حيث شهد اليوم الأول من زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة العربية السعودية مباحثات بينه والملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده محمد بن سلمان أكد الجانبان خلالها على أهمية الحوار بين الأطراف السودانية وإحياء العملية السياسية. كما أشادا بالجهود التي تبذلها بعثة الأمم المتحدة لدعم العودة إلى أسس الحل السياسي في السودان، وأعربا عن ارتياحهما للدور الفاعل الذي تقوم به المجموعة الرباعية من أجل السودان، متمنين للسودان وشعبه الاستقرار والازدهار٠هذا بجانب تأكيد البيان الختامي دعم القادة المشاركين في القمة لجهود تحقيق الاستقرار في السودان، واستكمال وانجاح المرحلة الانتقالية ، وتشجيع التوافق بين الأطراف السودانية، والحفاظ على تماسك الدولة ومؤسساتها ومساندة السودان في مواجهة التحديات الاقتصادية٠
إشارات ايجابية
وقد رحبت قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) بزيارة بايدن للمنطقة وبالاهتمام السعودي_ الامريكي بالشأن السوداني وبما وصفته بمواقفهم الإيجابية الداعمة لتطلعات الشعب السوداني في الديمقراطية والسلام والازدهار.
واثنت على الإشارات الإيجابية التي احتواها بيان قمة جدة حول دعم دور الأمم المتحدة والمجموعة الرباعية في التواصل مع الأطراف السودانية بغية الوصول لحل سياسي، وجاء في البيان الترحيبي لقوى الحرية والتغيير بما ورد بشأن السودان في زيارة بايدن للسعودية وقمة جدة (ونُشيد في هذا السياق بالمواقف المهمة لدول الترويكا والاتحاد الاوروبي والدول الأعضاء فيه وندعو لمزيدٍ من التنسيق الدولي والاقليمي بما يسند تطلعات الشعب السوداني وطموحاته. نؤكد أن معادلة الاستقرار في السودان مرتبطة بشكل مباشر بالتحول الديمقراطي، وقد أثبتت قرائن الأحوال أن النظم الانقلابية في السودان تهدد استقرار البلاد وجوارها الاقليمي والدولي، وها هو انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ م يعيد ذات عناصر وسياسات النظام الاسلاموي البائد، ليتراجع السودان مرة أخرى إلى دولةٍ منبوذة تغيب عن المحافل الدولية التي تناقش قضاياه، ويصبح السودان بلداً هشاً معرضاً للتفكك ويتعرض أمن أراضيه لتهديداتٍ كبيرة ومحيطه الاقليمي، بفعل الانقلاب).
جوهر الأزمة
ودعا البيان الولايات المتحدة الامريكية والمملكة العربية السعودية لمواصلة دورهما الايجابي في مساعدة الشعب السوداني للتعاطي مع أزماته الحالية، لافتا الى ضرورة تلافي الدولتين الانخراط في دعم أي شكل من أشكال الحلول السياسية التي لا تخاطب جوهر الأزمة السودانية٠
وأكدت الحرية والتغيير التزامها بمواصلة تعاطيها الايجابي مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الامريكية وكافة أصدقاء وشركاء السودان الاقليميين والدوليين للتفاكر المستمر في قضايا الهم المشترك، للوصول لما يحقق تطلعات الشعب المشروعة واسترداد حقوقه في الديمقراطية والحرية والسلام والعدالة، كما رحب بيان الحرية والتغيير بمصادقة مجلس النواب الامريكي على مشروع قرار إدانة الانقلاب العسكري في السودان، والذي شدد على دعم الكونغرس للشعب السوداني وتطلعاته الديمقراطية.
أمن إسرائيل
السفير السابق بوزارة الخارجية والخبير الدبلوماسي السفير علي يوسف وصف التطرق لقضايا السودان في قمة جدة بأنه متواضع ومجرد تمني، مشيرا إلى أن هناك العديد من الملفات التي تهم السودان والتي تناولتها القمة، معتبرا ان الهدف الأساسي لجولة الرئيس الأمريكي في المنطقة هو أمن إسرائيل، وقال يوسف في قراءة تحليلية لصحيفة (الحراك السياسي): “في تقديري ان الهدف الأساسي من زيارة بايدن للشرق الأوسط هو أمن إسرائيل وتحديدا مسألة تحدي إيران التي تشكل انشغالات الولايات المتحدة الأمريكية في ثلاثة نواحي أولها موضوع الاتفاق النووي والثاني موضوع الصواريخ والثالث هو موضوع المليشيات والأحزاب التي تؤيدها إيران في المنطقة وتزعزع من خلالها استقرار دول أخرى ٠ والهدف الثاني هو زيادة إنتاج البترول في دول البترول حتى يتحقق استقرار في اسعار النفط وحتى لا يتأثر الاقتصاد الغربي من ارتفاع أسعار النفط ، خاصة وأن الحرب الروسية الأوكرانية في تصعيد مستمر والشتاء قد اقترب في أوروبا ٠ وعلى هامش هذه المحاور الرئيسية تأتي القضية الفلسطينية ، والوضع في اليمن وفي سوريا وفي ليبيا والوضع في السودان ٠ )
وقال السفير علي يوسف إن زيارة بايدن إلى إسرائيل أظهرت مدى التزام الولايات المتحده بأمن إسرائيل، والتعاون بين البلدين في أمر مواجهة الخطر النووي الإيراني، وكان التأكيد الأمريكي بانها لن تسمح لإيران بأن تكون دولة نووية، مردفا بقوله: ومن الملاحظ أن إسرائيل لا ترغب في اتفاق نووي جديد أو تجديد الاتفاق القديم ، ولكن بضغوط أوروبية تميل بأن تسير في اتجاه التهدئة مع إيران والتوصل إلى حل ديبلوماسي وهذا قاد إلى خطوة زيارة وقمة جدة و الاصطفاف العربي الأمريكي في مواجهة التحدي الإيراني ، ولكن من الملاحظ أن اللهجة في الجانب العربي كانت لهجة فيها دعوة لمعالجة المشاكل بصورة سلمية ودعوة إيران للحوار ومواصلة المفاوضات للتوصل إلى حل وأن من الأفضل أن يكون هناك سلام في المنطقة لصالح الشعوب والدول وذلك بدعوة للسلام دون تهديد باستخدام قوة أو تصعيد٠)
إشارة متواضعة
ويمضي يوسف قائلا: (اما بالنسبة للسودان فقد ذكرت فقرة في البيان السودان وأنه لابد من دعم الاستقرار في السودان وأن يكون هنالك توافق بين القوى السياسية، وماذكر في البيان متوازن ويرضي جميع الاطراف
السودانية ودعم السودان لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجهه ، وعلى الرغم من عدم مشاركته في القمة التي ناقشت مواضيع مهمة تهمه مثل الملف الإيراني وملف البحر الأحمر والإرهاب ، فهو نفسه يعاني من مشاكل ولم يتمكن من تجاوز مشاكل أزمته الداخلية ولذلك لم يكن طرفاً في هذه القمة ،والإشارة للسودان كانت متواضعة جدا ولم يكن فيها سوى نوع من التمني ٠
حائط صد
ويقول يوسف :(وضح أيضا أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تخلق حائط صد قوي جدا من الدول التي شاركت في القمة ضد اي نفوذ أو محاولة تغلغل روسي صيني في المنطقة ، وهذا ما قاله الرئيس الأمريكي بصورة واضحة جدا انه لايريد ان يترك فرصة موطيء قدم في إقليم الشرق الأوسط لروسيا أو الصين ، وفي رأيي هذا تمني مبالغ فيه لان روسيا والصين لهما علاقات قوية جدا في المنطقة العربية ودول الخليج ومصر ولروسيا وجود عسكري ومصالح في سوريا ، واشك في ان تستطيع الولايات المتحدة تحقيق ذلك الهدف ٠ وكثيرا ما تحاول ان تواجه التغلغل الصيني في افريقيا والمنطقة العربية بعلاقات مباشرة أو دعم مباشر مع عدد من الدول ٠
رسائل موجهة
ويشير مراقبون إلى بعض الرسائل التي حرص القادة وبيان القمة على توجيهها في اطار شعار القمة (الأمن والتنمية) خاصة مايتعلق بقضية سد النهضة حيث قال البيان إن القادة عبروا عن دعمهم للأمن المائي المصري ولحل دبلوماسي يحقق مصالح جميع الاطراف ويسهم في سلام وازدهار المنطقة، وأكدوا حسب البيان ضرورة التوصل لاتفاق بشأن ملء وتشغيل السد في أجل زمني معقول كما نص عليه البيان الرئاسي لرئيس مجلس الأمن الدولي الصادر في 15 سبتمبر 2021م ووفقا للقانون الدولي ٠
كما اشار مراقبون الى رسائل وجهها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في خطابه امام القمة باشارته إلى ما أسماه بمليشيات منتشرة في المنطقة دون تحديد هويتها وذلك بقوله: (المليشيات المسلحة المنتشرة في عدة بقاع في عالمنا العربي التي تحظى برعاية بعض الدول، لتحقيق مكاسب سياسية ومادية وتعيق تطبيق التسويات والمصالحات الوطنية لا مكان لها بعد اليوم وعلى داعميها مراجعة حساباتهم ولا تهاون في حماية أمننا القومي وما يرتبط به من خطوط حمراء.)
الخرطوم – أسماء السهيلي
صحيفة الحراك السياسي