محجوب الخليفة يكتب : السودان ثقافة المُتناقضات
ليس أعجب من الشعب السوداني في ثقافته وطقوسه الاجتماعية، وهو تناقضٌ تلاحظه في التعبير كقولهم تكلم ساكت وقام قعد أو قام جلس، فالكلام نطق والسكوت صمت والقيام حركة ونهوض والقعود أو الجلوس عكسه تماماً، وهي نفسها ثقافة التناقض في الفعل والسلوك، فنحن وحدنا من نجمع بين التعجيل والتأجيل، وفي الحالتين تتزايد احتمالات وقوعنا في الخطأ، فالاستعجال (الشفقة) نتيجته الكلفتة وغياب الاتقان، كما أنّ التراخي والذي يختلف عن التّأنِّي هو التّأخير المُفضي إلى تفاقُم المُشكلة أو تعقيد الوضع لدرجة تجعل العلاج مُستحيلاً، نحن مَن نتحدّث عن التفكير ونتجاوزه إلى الانفعال، ونُطالب بالنظام والانضباط ونذهب إلى الفوضى والتجاوزات، العمل عندنا أمنياتٌ، والمُبادرة تهورٌ، والتغيير جريمةٌ وخيانةٌ للواقع المتوارث.
القانون عندنا يُعطِّله مَن يكتبه، والتشريع يعدله مَن يشرعه، وحتى حكوماتنا لا تحتكم أحياناً لقوانينها ونظمها، الخاص عندنا له سطوة على العام، لا ننظر إلى ما حولنا بعين البصيرة، وإنّما تخدعنا الصُّور الزائفة والمنظر فقط، فلا نأبه للجوهر.
نحتاج إلى تغيير ينقلنا من ثقافة الوهم والتدجين إلى ثقافة الفكر والابتكار والتدوين، والسؤال الذي ينتظرنا لنجيب عليه بأمانة وصدق وتَجرُّد هو لماذا نحن عطشى وتُحاصرنا المياه، وجوعى وسط الحقول، وفقراء رغم أن العالم كلُّه يعرف أنّنا نمشي فوق الكنوز ونجلس فوق تلة من اﻷموال المُجمّدة، نغني للجمال ونُشوِّهه بسُلوكنا وطُقوسنا، نَتحدّث عن العَدل ونُمارس الظلم، نعيش في الظلام رغم توفر كل ما يتيح لنا الوفرة في النُّور والطاقة (الشمس والماء والرياح والغَاز والنّفط).
السودان يحتاج إلى تغيير ثقافي جديدٍ يلغي كل الثّقافة المُزيّفة والعقائد واﻷعراف المُحبطة، نحتاج إلى ثورة حقيقيّة تقتلع ثقافة الانتظار والتسوُّل إلى عقيدة المُبادرة والجرأة والتوكل على الله والاعتماد على العلم والعمل لا الانتظار والاسترخاء واﻷمل. وليس مُستحيلاً أن يحدث التغيير إذا نشطنا في إحصاء السكان إحصاءً تصنيفياً للنوع والعُمر والنشاط والمواهب (علمية وفنية وغيرها) وكذلك إحصاء المَوارد الطبيعيّة الأرض، الغابات والمياه) وإحصاء الثروات الحيوانية النباتية والمَعدنية ونسب الاستغلال، ﻷنّ أهم عقبات التقدُّم بعد الثقافة السالبة والعقائد الفاسدة والطُقوس المُقيّدة هو غياب المعلومات الدقيقة وسُهُولة الحصول أو الوصول إليها واعتمادها كقاعدة للعمل والبناء.
الثورة الحقيقيّة لم تحدث بعد في السودان، ﻷن الثورة تبدأ باعتمادنا استراتيجية حقيقيّة للتغيير مع الالتزام الصارم في تنفيذ ذلك التغيير، ولن تتحقّق الثورة إﻻ بتغيير قادتنا السياسيين والعسكريين لثقافتهم وسلوكهم ومُمارستهم للحكم، واستصحابهم للثورة التي تنشد العدل والسلم والعلم والتغيير الحقيقي ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولذا نحن بحاجة إلى أن يغيِّر البرهان وحمدوك وحميدتي وكل القادة العسكريين والحزبيين أنفسهم ويستعيدوا وطنيتهم وحبهم للسودان لنبدأ التغيير الحقيقي، وقديماً قيل (الناس على دين ملوكهم).
العاقل يكتشف أن الشعب السوداني همه الوطن وطلاب السلطة المتنازعين ليس من ضمن أولوياتهم الوطن،لأنه إذاكان همهم الوطن لإتفقوا ،فالهدف المشترك يصنع الكثير من طرق التلاقي ،ولأن الغاية تساعد في ابتكار وسائل بلوغها.
صحيفة الصيحة