منوعات

في السعودية… “تجميد البويضات” عذر جديد لتأخير الزواج

مع الإيقاع السريع للحياة، بات الإنسان يواجه كثيراً من أنماط وأشكال الصراع النفسي المختلفة، ما جعله عرضة للإصابة بالضغوط الداخلية والتضارب بين العواطف المختلفة، من أقواها ما تعيشه المرأة اليوم بين رغبتها بتحقيق ذاتها على الصعيدين العلمي والمهني وبين تحقيق حلمها في الأمومة.

مشاعر الخوف من فقدان هذا الحلم يتملك عدداً من النساء، فالعمر ليس مجرد رقم أمام تصميم جسدها البيولوجي الذي يتجاهل العبارات التفاؤلية الرنانة مثل القول الشائع “العمر مجرد رقم”، وإن هناك متسعاً من الوقت لكل شيء، بينما الحقيقة عكس ذلك. ففرصة المرأة في الإنجاب تتراجع في كل يوم وساعة وسنة بحسب الدراسات الطبية، لكن بفضل التقنيات الحديثة في مجال الطب، شهد مجال الإخصاب تطوراً ملحوظاً في الأعوام الماضية، وأصبح باستطاعة الراغبات الحمل والإنجاب في سن متأخرة عن طريق تجميد البويضات.

ويوضح الدكتور طارق بغدادي، استشاري العقم وأطفال الأنابيب في “مركز ذرية الطبي” أن “تجميد البويضات عبارة عن إجراء طبي يتم عمله للنساء اللاتي يرغبن بالمحافظة على خصوبتهن لوقت متأخر من العمر لأي سبب، سواء كان طبياً أو اجتماعياً”.

فارس الأحلام المتأخر

وبدأ الحديث عن عملية تجميد البويضات في الانتشار بين أوساط الشابات السعوديات، فلا يوجد قرار يمنع المرأة من القيام بتجميد بويضاتها من أجل الحفاظ على خصوبتها إذا أرادت مستقبلاً استعمالها من أجل الإنجاب، فوجدت شابات كثيرات ضالتهن في مثل هذه التقنيات العلمية ولم يعُد يخيفهن “الوصول المتأخر للفارس على حصانه الأبيض”، بحسب المقولة الرائجة، إذ تغيرت نظرة الجيل الجديد إلى الزواج بعدما اختفى من قائمة أولويات البعض، في ظل توافر حل ملائم يحافظ على الأمومة.

وتشير الإحصاءات السعودية في 2020 إلى أن نسبة الشباب والشابات الذين لم يسبق لهم الزواج في الفئة العمرية (15- 34 سنة) بلغت 66.23 في المئة. وفصّل التقرير ليكشف أن نسبة 75.6 في المئة من الذكور لم يسبق لهم الزواج وأن 50.4 في المئة منهم من الفئة العمرية 15-34 سنة، بينما بلغت نسبة غير المتزوجات من الإناث في الفئة العمرية 25- 34 سنة، 43.1 في المئة.

في غضون ذلك، تقول نورة عبدالله (32 سنة) التي أقدمت على عملية تجميد البويضات حديثاً عن أسباب لجوئها إلى العملية، “عندما كنت أصغر سناً، كنت مخططة لمستقبلي بشكل واضح وكانت لدي رؤية لما ستكون عليه حياتي، لكن الحياة لا تسير وفقاً للخطة المحددة، وبهذه العملية أستطيع التريث في اختيار شريك حياتي، فلن يصبح همي الأول متى أتزوج بل بمن سأرتبط وأكوّن أسرتي معه”.

بلغت نسبة غير المتزوجات بين السعوديات في عمر 25- 34 سنة 43.1 في المئة بحسب الإحصاءات الرسمية

وهكذا تشعر نورة بحسب قولها بأن حلم أمومتها محفوظ في وضع مجمد غير قابل للتلف تماماً. وعن تقبل المجتمع من حولها لهذه العملية، ذكرت أنها “لم تجد قبولاً، إلا أن والدتي هي التي شجعتني ووقفت إلى جانبي، فربما يسير كل شيء بشكل طبيعي وأُنجب طفلي من دون أن أحتاج إلى بويضاتي المجمدة وسعيي لإجراء هذه العملية هو للتخلص من حسرة الفرص الضائعة، فلا يوجد أسوأ من أن ترى أن فرص تحقيق حلم عمرك تضيع أمام عينيك”.

الوسيلة السحرية لتأجيل الأمومة

وأشار الدكتور بندر كتبي، استشاري تأخر الإنجاب أن تجميد البويضات أمر ليس سهلاً كما يعتقد البعض، بل أصبح الحديث عنه بين أوساط السيدات كما لو أنه الوسيلة السحرية لتأجيل الأمومة إلا أن الحقيقة أكثر تعقيداً. ولفت إلى أن “هناك عدداً من الأمور التي يجب أن تؤخذ في الحسبان قبل التفكير في العملية، أهمها الكلفة المادية والعمر والحالة الاجتماعية وطريقة سحب البويضات، فآلية السحب تؤثر في نسبة نجاح العملية وفشلها”.

ويشرح بغدادي آلية العملية، “تبدأ بإجراء الطبيب اختباراً للخصوبة ومن ثم يقوم بتحفيز المبيض عن طرق العلاجات المخصصة لذلك، وغالباً ما تكون عبر إبر تدعم المبيض، وبعدها يتم سحب البويضات بواسطة إبرة مخصصة لذلك عن طريق المهبل للنساء المتزوجات أو اللاتي سبق لهن الزواج، أو عن طريق البطن للنساء اللاتي لم يسبق لهن الزواج”.

وعن مدة صلاحية البويضات، يوضح بغدادي أنها “تحفظ لمدة تتراوح من 10 إلى 15 عاماً في درجة حرارة تحت الصفر”.

لا ضمانة للإنجاب

وتتراوح كلفة عملية تجميد البويضات في السعودية من 15000 إلى 30000 ريال سعودي (4000-8000 دولار)، فيما تصل كلفة تخزينها إلى 2000 ريال سنوياً (533 دولار).

ونوه استشاري تأخر الإنجاب الدكتور بندر كتبي إلى أن العامل الذي يُحدث الفرق الأكبر في نجاح العملية أيضاً هو عمر المرأة عند إجراء عملية التجميد، “فكلما زاد العمر نقص المخزون، وهكذا يقل عدد البويضات التي يتم حصادها شهرياً كلما زاد العمر وقل المخزون”.

ولفت إلى أن “نسبة نجاح الحمل بعد التخزين تقل وتزيد مع زيادة عمر السيدة، إذ إن عدد البويضات لا يقل فقط ولكن تقل جودتها بشكل حاد مع تقدم العمر”.

وتحدث كتبي عن الآمال التي تحييها عملية تجميد البويضات لدى النساء، مؤكداً أنه “لا يصح تشجيع كل امرأة على خطوة تجميد البويضات، ففي حال وجود سيدة شابة في أوائل الثلاثينيات مع مخزون ممتاز وتجربة زواج، نعم هنا تجميد البويضات حل سحري لتأجيل الامومة. أما في الحالات الأخرى، فيحتاج الأمر إلى كثير من التفكير في جدوى ذلك، على الأقل لوضع سقف توقعات معقول، فلا يوجد بعد ما يضمن أن تُسفر البويضات عن ولادة جنين حي بعد انتظار أعوام من التجميد”.

إندبندنت عربية