تحقيقات وتقارير

رداءة طرقات السودان… وجهة إلى الموت

لا يؤدّي سوء الطرقات في السودان إلى حوادث مرورية فحسب، إنّما يرتّب على السائقين وأصحاب المركبات تكاليف كبيرة لاضطرارهم إلى صيانتها بشكل مستمر نتيجة تضرّرها بسبب أحوال الطرقات المتردية.

تتسبّب رداءة الطرقات السريعة في السودان وكذلك الطرقات الداخلية في مدن البلاد الكبرى بكوارث حقيقية، في غياب ما يضمن السلامة المرورية ومن دون أيّ اهتمام يُذكر من قبل الدولة. وفي السنوات الأخيرة، راحت تمثّل عاملاً من بين عوامل عديدة تؤدّي إلى وقوع أكثر من 10 آلاف حادث مرور سنوياً، فيما يتجاوز عدد الضحايا 1400 شخص إلى جانب آلاف المصابين، وفقاً لبيانات رسمية صادرة عن الشرطة السودانية.

وتعاني الطرقات السريعة في البلاد المعروفة بضيقها ومساراتها الواحدة من انتشار الحفر والتصدّعات، في حين تتلاشى طبقات الأسفلت لتظهر الأتربة أو تتشكّل كثبان رملية، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من المخاطر على مستخدمي تلك المسارات. أمّا الطرقات الداخلية في المدن الكبرى مثل العاصمة الخرطوم نفسها، فليست أفضل حالاً، وقد شهدت تردياً مستمراً في العامَين الأخيرَين، خصوصاً مع زيادة عدد السيارات المسجّلة في ولاية الخرطوم والتي تجاوز عددها 850 ألف سيارة.

الزين الريح واحد من الذين تضرّروا من رداءة الطرقات، يخبر “العربي الجديد” أنّه كان متوجّهاً في سيارة خاصة من مدينة أم درمان الواقعة غربي ولاية الخرطوم إلى مدينة دنقلا في شمال السودان، عبر طريق شريان الشمال، وهو طريق حديث إلى حدّ ما. لكنّ رحلة الريح كانت صعبة جداً، بسبب وعورة الطريق وانتشار الحفر على طوله، واستخدامه من قبل الشاحنات الثقيلة بحمولاتها غير الملائمة. وفي منطقة الملتقى، وهي من أشهر مناطق الشمال، فقد الريح السيطرة على سيارته بعد ساعات من بداية الرحلة، بسبب الرمال المكدّسة، فانقلبت المركبة أكثر من مرّة ليفقد هو وعيه قبل نقله إلى الخرطوم لإسعافه.

ويوضح الريح: “أُصبت بأكثر من كسر في الترقوة والأضلع، وقُطعت إحدى إذنَيّ، وقد قضيت في المستشفى أسابيع عدّة فيما أتابع علاجي حتى الآن، بعد مضيّ أكثر من خمسة أشهر على الحادثة، علماً أنّني توقّف عن العمل لفترة”. وكلّ ما يتمنّاه الريح هو أن “تجعل الدولة صيانة الطرقات وتأهيلها واحدة من أولوياتها، لأنّ الثمن غالٍ وفادح”، مشيراً إلى أنّ “ما يدعو إلى الأسف هو عدم توفّر إسعافات عند وقوع حادث مرور، وعدم توفّر مستشفى طوارئ على طول الطريق أو على الطرقات الأخرى المحاذية، حسب خبرتي في السفر”.
وإلى جانب تسبّبها في الموت والإصابات المختلفة والإعاقات الدائمة، فإنّ رداءة الطرقات تُعَدّ أكبر مصدر استنزاف مالي لأصحاب السيارات، إذ إنّه يندر انقضاء شهر من دون أن تصاب سيارة ما بعطب نتيجة الحفر والتصدّعات.

في هذا الإطار، يقول مدحت عفيفي لـ”العربي الجديد” إنّه “في السابق، كنت أستبدل إطارات سيارتي على سبيل المثال، مرّة كلّ عامَين، أمّا الآن وفي الحالات العادية فأستبدلها كلّ عام، علماً أنّ احتمال انفجار واحد من الإطارات على الرغم من أنّه جديد أمر وارد على طرقات مماثلة”. يضيف عفيفي أنّ “ثمّة أثراً سلبياً آخر لرداءة الطرقات وهو هدر الوقت اليومي، خصوصاً في فصل الخريف، إذ تتضاعف حينها معاناة السودانيين مع الطرقات بسبب الازدحام”، مبدياً استنكاره “الترقيع أو عمليات الصيانة الشكلية التي تقوم بها السلطات المختصة إذ ثبت تماماً عدم جدواها”.

وفي هذا السياق، يقول المهندس عثمان الصديق الخبير في مجال رصف الطرقات وإنشائها لـ”العربي الجديد” إنّ “الطرقات في السودان بمعظمها أُنشئت بمخالفة المواصفات والعشوائية وعدم مراعاة مراحل التصميم والتشييد والتسليم”، لافتاً إلى “عدم توفّر مصارف للمياه على طول الطرقات، الأمر الذي يؤدّي إلى تراكمها على طبقات الأسفلت أو على جانبَي الردميات، لا سيّما في الطرقات الداخلية بالمدن”.

يضيف الصديق أنّه “في أثناء مرحلة الإنشاء، لا تُجرى للأسف اختبارات الجودة ولا توضع الردميات بالصورة المطلوبة. وإذا فشلت اختبارات معيّنة بسبب مواد غير صالحة، يُصار إلى مجاملة المقاولين أو تُفرَض عقوبات مالية فقط من دون أن يُجبَروا على إزالة المواد غير الصالحة من الطريق نهائياً. وبالتالي، تحصل التشققات والحفر بعد مدّة زمنية قصيرة من فتح الطريق”. ويحمّل الصديق الفساد “المسؤولية الكبرى في ما يحدث في قطاع الطرقات إلى أجهزة الدولة والمجاملات والتساهل وعدم المعرفة”، موضحاً أنّ “كل ذلك يساهم في إهلاك البشر وإهلاك المركبات ويضاعف تكلفة النقل ويبطئ عمليات التنمية الاجتماعية وكذلك الاقتصادية”.

من جهته، يقول المهندس حمدي شروني لـ”العربي الجديد” إنّ “في السودان نحو 11 ألف كيلومتر من الطرقات المعبّدة بالأسفلت، وكلّها لم تخضع للمواصفات. وهو ما ظهر في الطرقات الممتدّة، من قبيل التحدّي وشريان الشمال وطريق الأبيض، حتى إنّ بعضها يسمح بمرور الشاحنات من دون موازين للحمولة”. يضيف شروني أنّ “الإهمال الذي تتعرّض له الطرقات يتمثّل في عدم الصيانة الدورية لسنوات طويلة وسوء التأهيل والفساد”، مؤكداً أنّ ذلك “سوف يؤدّي إلى كوارث وخيمة”.

أمّا المهندس منذر أبو المعالي فيرى أنّ “انهيار الطرقات هو شكل من أشكال انهيار كلّ الخدمات في السودان، سواء التعليمية أو الصحية أو المتعلقة بالاتصالات أو الكهرباء أو المياه أو غيرها”، مبيّناً لـ”العربي الجديد” أنّ “النظام الحالي لا يخصّص أيّ مبالغ مالية لصيانة الطرقات ويصرف أموال الدولة في مجالات سياسية وأمنية من دون الاكتراث لمعاناة المواطن المغلوب على أمره”. ويوضح أبو المعالي أنّ “النظام يجبي مليارات الجنيهات كرسوم طرقات، لكنّ تلك الأموال لا تُصرَف في مكانها الصحيح، بالتالي تقع الحوادث المرورية والموت العبثي، ويدفع الناس فواتير صيانة مركباتهم بقطع الغيار المستوردة، الأمر الذي يزيد الأعباء على الأسر والأفراد وعلى خزينة الدولة”. ويلفت إلى أنّ “المعاناة الكبيرة سوف تكون في فصل الخريف، وهو على الأبواب”.

العربي الجديد