منى أبوزيد تكتب : قواعد السطوة..!
(1)
لماذا يظهر بعض الناس بمظهر لا يمثل حقيقتهم ولماذا يخفون ذكاءهم تحت أقنعة “المسكنة” والسذاجة؟. لأنّهم ببساطة يُحقِّقون طُموحاتهم ويكسبون معاركهم بجهدٍ أقلَ وتركيز أكبر عندما يبقون أنفسهم خارج دائرة الضوء. ولأنّ مُعظم الذين تتم مُحاربتهم – والإصرار على تدميرهم بالوقوف في طريق نجاحهم – هُم أناس يصرون على إظهار ذكائهم واستعراض قدراتهم على نحوٍ يحرج ويستفز من يكونون في موقع سلطة أعلى منهم، فيعمدون إلى استخدام سُلطتهم لإقصائهم عن الطريق. في كتابه “قواعد السطوة الثمانية والأربعين” تناول “روبرت قرين” فوائد هذه الحيلة ونجاحها في اجتناب شرور البشر الخطائين. في القاعدة الواحدة والعشرين – مثلاً – ينصح القاريء بأن يستدرج خُصُومه من خلال التظاهر بأنّه أقل منهم ذكاءً. وهي نصيحة تنطلق من فهمٍ عَميقٍ لطبيعة بني الإنسان الذين لا يقبلون الظهور بمظهر الأقل ذكاءً، دعهم إذن يشعرون بأنهم يتفوّقون عليك، ولن يشكوا عندها في ما تدبره لتحقيق طموحك في الخفاء. وفي القاعدة التي تليها ينصحك “قرين” بأن تستخدم تكتيك الإذعان لتُحَوِّل ضعفك إلى قوة، وهذا يعني أن لا تقاتل بدافع الكرامة، بل أن تجعل الإذعان حيلةً تحرم المتجبرين من متعة هزيمتك. أما القاعدة السادسة والأربعين فتقول “لا تبالغ أبداً في إظهار تفوقك”. وهنا قد يقول قائل “أين الكبرياء والكرامة”؟. والحقيقة أن القائلين بذلك ليسوا مجبرين على اتباع قواعد المؤلف الثمانية والأربعين للوصول إلى النجاح والسطوة، لكنهم سوف يكونون مجبرين – بكل تأكيد – على تحمُّل تبعات المُضِي قُدُماً في طريق الكبرياء الشاقة وشق دروب الكرامة الوعرة، ثم أنّهم قد يَصِلون يوماً، أو أنهم قد لا يَصِلون أبداً..!
(2)
معظم المعارك التي تندلع والصراعات التي تنشأ بين الناس يكون السبب في اشتعالها هو سُوء الظن المُسبق المبني على أحكام مسبقة وافتراضات سابقة لا وجود لها إلا في دواخلنا. عندما نتجرّد من الحياد اللازم – في أغلب المواقف – ونرفض أن نُبادر بحُسن الظن مع بعض الغرباء، فقط لأننا قد خُذلنا من بعض الأقرباء أو لأننا قد طُعنَّا من بعض الأصدقاء. بينما لكل موقف نختبره ظروفه الموضوعية، ولكل علاقة تنتهي – بخروجنا منها – ملامحها التي لا تشبه ملامح أخرى قد نشرع في الدخول إليها. فالأحكام المُسبقة المُستمدة من خبراتٍ حياتيةٍ سابقة هي آفة التواصل بين بني الإنسان على مَرّ الزمان..!
(3)
التقدُّم في العُمر تجربة رائعة – للرجل والمرأة على حدٍّ سواء – إذا أحسن الإنسان استثمار عُمره في ما يُلهم روحه ويُغذِّي عقله، ويُرضي ربَّه ويًنفع الناس. ولكل مرحلة من العمر جمالها الخاص ومواقفها المُضيئة التي تنير دروب السالكين، ولولا تفاوت الأعمار واختلاف الأجيال لكانت الحياة مُمِلَّة، ولكانت أيامها مُتشابهةً على نحوٍ لا يُطاق. أما مُحاولة إخفاء عدد سنوات العمر فهي – فضلاً عن ما تنطوي عليه من سذاجة وقلة وعي – تحرم المرء من الصُّعود تباعاً على مدارج الحكمة التي هي ضالة المُؤمن، والتي يصعب الوصول إليها قبل الوقوف بثبات على أعتاب منتصف العمر، مع كامل الاحتفاء ببدء ظهور خصلات الشعر الأبيض. لكن مشكلة التقدم في العمر – في مُجتمعنا – هي عقد المقارنات المُجحفة بين حال من يتقدم به العمر عندما كان في مثل حال مَن يصغره سِنّاً، وهذه إشكالية جيلية أفردتُ لها عدداً لا بأس به من المَقَالات التي تدافع عن حق الأصغر سناً في أن يعيش واقعه – الشخصي والاجتماعي والأكاديمي والثقافي والسياسي – على النحو الذي يتناسب وحداثة عَهده بالحكمة التي لا تتوافر إلا بعد تراكم المواقف والتجارب المُفضية – بدورها – إلى اكتمال النضج. فهل يا ترى من مُذَّكر..!
صحيفة الصيحة