تهريب الذهب بالمطار .. قِصَّة ما بتعرف نهاية!!
في شهر أغسطس من العام قبل الماضي كنتُ وبعض الزملاء نتلقَّى دورة تدريبية عن السلامة الجوية، وفي إحدى المحاضرات التي أقيمت بمطار الخرطوم جَزَمَ مُحدّثنا أن المطار تمت تغطيته منذ سنين عديدة بكاميرات مراقبة ترصد حركة المارة بدءاً بالعربات الموجودة والمتحركة بشارع إفريقيا وحتى آخر نقطة تفتيش منها يصعد الراكب إلى سلّم الطائرة..
وعندما حان وقت الأسئلة كنتُ أول من طلب فرصة وسألت مُحاضرنا: إذا كانت كاميرات المراقبة بهذه الصحوة فلماذا يتسلّل الذهب تابعاً عبر مطار الخرطوم؟ هنا نفى الرجل نفياً قاطعاً مسألة تهريب الذهب عبر المطار..!! فتصدّى له زملائي بصوت واحد أن الصُحُف ملّت من تكرار خبر ضبط ذهب مهرب عبر مطار الخرطوم.. وتحت هذا الضغط المتواصل لم يجد مُحدّثنا وهو أحد كبار المسؤولين بالمطار سوى الاعتراف (الخجول) بأن كاميرات المراقبة تلتقط أي مثقال ذرة من ذهب داخل المطار، لكن المشكلة أن التهريب في عهد الإنقاذ المباد كان يتم عبر نافذين كبار يحملون حقائب تئن بالذهب وغيره من الممنوعات..
ويبدو أنه (ما فيش عهد أحسن من عهد) بدليل أن الإنقاذ ذهبت إلى مزبلة التاريخ بكل فسادها وإفسادها، لكن ما زال مسلسل تهريب الذهب يواصل حلقاته الشبيهة بالمتوالية اللانهائية.. فالمعدن النفيس الذي حبى الله منه السودان كمياتٍ هائلة جعلته ضمن قائمة العشر الأوائل في الإنتاج (عالمياً)، لكن حتى كتابة هذه السطور لم يستفد السودان شيئاً يُذكر من (الذهب)؛ والسبب ببساطة لأن الكميات المُهربة تصل إلى عشرات الأطنان، براً وجوّاً دون أن تجد حكومة قوية تضع حدّاً لهذه الفوضى غير الخلَّاقة التي استنزفت موارد البلاد، وجعلت شعبه (المكلوم) يعيش تحت وطأة الفقر والمسغبة..
لقد أصبح خبر ضبط كمية من الذهب المُهرّب عبر مطار الخرطوم لا يلفت انتباه شخص، حيث يُنظر له كأحد الأخبار الروتينية التي ملَّ الناس من سماعها وقراءتها.. وهكذا مرَّ خبر تهريب (11) كيلو ذهب تم ضبطها في مطار الخرطوم فجر الأربعاء الماضي، مرّ مرور الكرام، على الرغم من ردة الفعل غير المسبوقة من قوات الشرطة التي بدأت بإصدار بيان تؤكد فيه تفاصيل الواقعة، ومن ثم حبس عدد من الضباط في الوردية التي حدثت فيها الحادثة، ونقل بقية الضباط العاملين في مطار الخرطوم إلى مواقع أخرى في العاصمة والولايات.. وبالطبع فإن الشعب السوداني ينتظر ما بعد تفاصيل هذه الضبطية، بمعنى: ماذا حدث بعد أن تم التوصَّل إلى المتهم الأساسي في القضية؟ وهو النقيب شرطة (م.ع.م.أ)، مع متهم آخر هو (ط. م) الذي تسلم الذهب من نقيب الشرطة في صالة المغادرة رقم (1)، وينتمي لمنطقة شهيرة جداً بشرق النيل، وهو وسيط لأصحاب الذهب الأصليين وهما شخصان ينتميان إلى أسرة أحد كبار رؤوس الأموال في المنطقة ذاتها..
وجاءت اعترافات المتهم نقيب الشرطة مترافقة مع مطالبته بإطلاق سراح زملائه من الضباط والأفراد الذين تم حبسهم بعد الواقعة، مؤكداً براءتهم التامة مما حدث.
سردنا تفاصيل (الضبطية) الأخيرة لنؤكد أن هذه الجريمة أتت تحمل معها كل خباياها، وبالتالي لا ولن تجد الجهات المختصة والمنوط بها حفظ ثروات البلد أيَّة فرصة للتزرُّع بأن القضية قيد التحقيق.
الخرطوم: ياسر الكردي
شبكة السودان ناو