منى ابو زيد تكتب : واعظة لا تلبس الحجاب..!
“لا يرتكب المرء الشر كاملاً وببساطة مثلما يرتكبه بناء على عقيدة دينية”.. بليز باسكال..!
قبل سنوات قرأت تقريراً صحفياً، تناول باقة مواعظ دينية قدمتها “أحلام مستغانمي” لبنات جنسها على صفحتها بموقع الفيس بوك، الأمر الذي أثار حفيظة بعض حراس البوابات الدينية، وحتى الصياغة الخبرية للتقرير نفسه لم تخلُ من لمحة استنكار خفية. والحقيقة أن الذين يظنون أنفسهم ورثة الأنبياء في هذه الأرض كُثر، وقد أنكر بعضهم على كاتبة روايات لا تلبس الحجاب أن تكتب بروح دعوية وأن تنصح بنات جنسها باختيار الرجل الصالح على طريقة المأثور السائد في أمهات الكتب..!
تلك الروح الاستعلائية التي تتقمص المتلقي عند تقييم البُعد الديني في سلوك الآخر هي البيئة النفسية التي ينمو فيها التطرف الديني المفضي إلى الإرهاب. فالإرهاب في مجمله غرور ديني يبدأ بثقافة إنكار التدين على الآخر “كما في حكاية مواقف البعض من مواعظ مستغانمي” إلى أن ينتهي بإزهاق أرواح الأبرياء باسم الدين..!
الإرهاب في مجتمعاتنا المسلمة كان في الأصل ثقافة سائدة قبل أن يتفاقم إلى سلوك، وأذكر أنني حاولت – مرة – أن اجتهد في تعريف الإرهاب فخرجت بالجملة التالية “هو سلوك ينتجه مزيج من الشعور بالاستعلاء والشعور بالدونية”..!
أول ما يؤمن به الإرهابي هو أن الذين يشارك في قتلهم يضطهدونه فكرياً أو دينياً أو عرقياً أو اقتصادياً ..إلخ.. وهو يشعر نحوهم باستعلاء ديني فكري ثقافي مفرط يدفعه إلى أن يختار التغيير عن طريق القتل عوضاً عن الحوار..!
الخطاب الديني في العالم الإسلامي يحتاج إلى “تحرير” بالحذف والإضافة والتغيير في مواضع التخصيص والتعميم، تغيير نظرة الآخر إلينا تبدأ بتغيير نظرتنا إلى أنفسنا “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” وتغيير نظرتنا إليهم، ثم العمل – بعد ذلك – على تغيير نظرتهم إلينا..!
ومع أن الله الذي لا إله غيره قد سمّى اليهود والنصارى في قرآنه ومعجزة رسوله الكريم بأهل الكتاب مطلقاً، وأول عهد إسلامي وصف فيه من كانوا تحت جناح الحكم الإسلامي بأهل الذمة هو عهد النبوة إلا أن المتحسس لقماشة المجتمعات المسلمة التي خرج منها الإرهاب يلحظ انتشار الكثير من المفاهيم الدينية المغلوطة عن الإسلام قبل الأديان الأخرى..!
فمعظم المتشددين – في مجتمعات بعينها في هذا البلد – لا يفرقون في نظرتهم أو حديثهم بين المسيحي واليهودي والذي يدين بدين غير سماوي، فكل من لا يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله هو مهدر الدم، والأهم من ذلك أن معظم المتعصبين لا يفرقون بين اليهودية والصهيوينة..!
لتحرير الخطاب الديني من سطوة الاستعلاء تلك لا بد من رفع شعار “هناك فرق” في وجه الكثير من المسلّمات الخاطئة، هناك فرق بين وجود اليهود في فلسطين ووجود إسرائيل كدولة وكصيغة سياسية غير مقبولة وكمنهج فكري يلعب على أوتار المعتقدات الدينية المسيحية الغربية التي تؤمن بعودة المسيح المسبوقة بعودة اليهود إلى فلسطين..!
هذه هي اللبنة الفكرية الأولى لتفكيك المعتقدات المسيحية الغربية بشأن الإسلام، ثم بشأن إسرائيل التي تندد “أحلام مستغانمي” بجرائمها في فلسطين بأكثر وأفضل مما يفعل بعض الدعاة وأئمة المساجد..!
صحيفة الصيحة