الطاهر ساتي يكتب: جدري العقول ..!!
وزارة الصحة تؤكد حلو البلاد من (جدري القرود)، وتطالب المشافي بالتبليغ عند حالات الاشتباه، ولم تقل ماذا ستفعل عند التبليغ؟، الله أعلم.. عفواً، ربما تفرغ وزارة الصحة وزيرها ووكيلها وكوادرها ليعتكفوا في المساجد والخلاوي، ثم يجتهدوا في الدعاء للمرضى بالشفاء، فالوزارة لا تملك – لحالات الطوارئ – شيئاً غير الدعاء..!! :: والشاهد قبل ست سنوات عندما تم توزيع جرحى اليمن على بعض المشافي الخاصة، لضيق السعات بالمشافي العامة، قلت إن هذا بمثابة درس لوزارة الصحة، مفاده أن المشافي العامة غير مؤهلة لحالات الطوارئ، وعليها أن تتعلم من هذا الدرس.. ومنذ ذاك عام، ومروراً بعام كورونا، وحتى موسم جدري القرود، لم تتعلّم السلطات الصحية الدرس..!! :: لم تتعلم الدرس، فالأدوية المنقذة للحياة، وهي التي تُستخدَم في أقسام الطوارئ، فهي إما غير كافية أو معدومة تماماً.. وكثيراً ما ناشدنا، لتوفير الأدوية المُنقذة للحياة بأقسام الحوادث والطوارئ في المشافي العامة (مجاناً)، ولتوفير الأمصال بالبلاد، على مجلس الوزراء إعادة الدور الاستراتيجي للصندوق القومي للإمدادات الطبية (عاجلاً)..!! :: فالإمدادات الطبية ليست مجرد مخازن حكومية (فارغة)، بل هي من المرافق الاستراتيجية التي أسسها الإنجليز – في العام 1935 – لتكون مخزوناً استراتيجياً للأمصال والأدوية المنقذة للحياة، وهي المعدومة حالياً.. وبعد جلاء الاستعمار تسودَنت المخازن، وصارت وحدة تابعة لوزارة الصحة.. ثم صارت الوحدة قسماً ثم إدارة في الحقب الفائتة..!! :: ثم إدارة عامة في العام (1990)، ثم هيئة تابعة إدارياً للرئاسة وفنياً لوزارة الصحة.. وكان يجب أن تكون بمثابة مخزون استراتيجي لتوفير وتوطين الأمن الطبي.. ولكن، تم تحويلها إلى (هيئة تجارية)، كأية شركة أدوية، ثم صندوق، تجاري أيضاً.. يشتري ويبيع ويربح.. وبالتجارة المطلقة، فقدت الإمدادات دورها الاستراتيجي والذي من أجله تأسست في (زمن الإنجليز)..!! :: ناشدنا، بأن الأفضل للناس والبلد أن تتخلّص حكومة ما بعد الثورة من الصناديق والمجالس وغيرها من (الزوائد الدودية)، بحيث تعود للإمدادات الطبية (سيرتها الأولى)، والتي عُرِفت بها في زمان الإنجليز والحقب الوطنية، أي إلغاء قانونها ثم حلها، بحيث تعود – كما كانت – إدارة ذات مهام استراتيجية، ولكن لا حياة لمن نناشد..!! :: وكذلك لم تتعلم السلطات من (درس كورونا)، بحيث تعمل على تحسين المراكز الصحية لترعى مرضى الأمراض المزمنة، وهم الأكثر عرضة للوفاة بجدري القرود وغيره من الأوبئة.. ولتحسين الرعاية، تحرص النظم الصحية في الدول الراشدة، على إعداد سِجِلات مرضى الأمراض المُزمنة وتحديثها دورياً.. ولأنّ حال النظام الصحي في بلادنا (منهار)، لا يوجد سجل لمرضى الأمراض المزمنة..!! :: نعم، مرضى السرطان، السكري، القلب والفشل الكلوي.. و.. و.. كل مرضى الأمراض المزمنة، لا توجد لهم سجلات في المراكز الصحية بحيث تتم متابعتهم، علماً بأنهم الأكثر عُرضةً للفيروسات.. وكثيرة هي كوارث ونواقص هذا القطاع المصاب بالخمول – وجدري العقول – والذي لا يملك للناس في مثل هذه الطوارئ غير التحذير قبل (مرضهم)، ثم الإحصاء بعد (موتهم)..!!
صحيفة اليوم التالي