تصريحات خالد عمر “سلك”.. حجر يحرك بركة الراهن السياسي
ظلت الساحة السياسية في البلاد منقسمة على شاطئي أزمة منذ انقلاب القوات المسلحة على السلطة الانتقالية في 25 اكتوبر الماضي وتفرقت القوى السياسية الى فسطاطين أحدهما داعم للانقلاب ويرى أن اجراءات تم اتخاذها لتصحيح مسار الثورة، والآخر يرى أن ما حدث انقلاب عسكري لاعادة النظام البائد للمسشهد من جديد ولكل دفوعاته وظل كل فريق يتمترس خلف آراءه في ظل توقف تام للعمل السياسي والتنفيذي بالبلاد، ورغم وجود مبادرات عديدة حاولت أن تجد طريقاً يخترق ظلام الازمة إلا انها لم تراوح مكانها ولم تتقارب شقة الخلاف بين من يدعون لحوار شامل ومن يرون ـن لا مجال للحوار.. بيد ان تصريحات ادلى بها القيادي بحزب المؤتمر السوداني ووزير وزارة شئون مجلس الوزراء قبل الانقلاب خالد عمر “سلك” حركت بقوة مياه السياسة الراكدة كونها جاءت متطابقة من مع يدعو له الفريق المناصر للانقلاب من ضرورة الحوار ومخالفة لرؤية الشارع وقواه التي تخالف مبدأ الحوار من الاساس.
موقف مفاجئ
وفاجأ خالد عمر “سلك” المتابعين لندوة اقامها حزبه أمس الأول عندما اطلق تصريحات وصفها البعض بالجريئة أكد خلالها على مجموعة مرتكزات للتعاطي مع الفترة الانتقالية مشيراً إلى أن الفترة الانتقالية كانت أقرب لعصر الارهاب وحولت الناس الى مؤمنين وكافرين، وقال لا يوجد انتقال في هذه الدنيا يحتقر الحوار كما حدث في الفترة الانتقالية ووصف الفترة الانتقالية بأنها قد انتجت وحوشاً ضارية وأن الصراع فيها كان متوحشاً مفارقاً لقيم الديمقراطية وشدد على أن تكون أبواب الثورة مفتوحة حتى للاسلاميين الراغبين في التحول الديمقراطي شريطة ان لا يكونوا قد ارتكبوا جرائم في ظل النظام البائد.
موقف حزبي
ويرى المحامي والمستشار القانوني والبرلماني والوزير السابق د. محمد عبدالله ودابوك ان خالد عمر نطق بالحقيقة التي ظل يرددها كثير من ابناء السودان في مواجهة قوى الحرية والتغيير بيد انهم لم يكونوا يعترفون بها ولفت لحديث يدور الآن في اروقة السياسة عن تباين داخل المؤتمر السوداني حول التعاطي مع الازمة السياسية.. وقال لـ(الحراك): هذا الموقف الذي قال به خالد سلك هو الموقف المكتوب داخل حزبهم ويدعمه ابرز قياداتهم مثل ابراهيم الشيخ وعمر الدقير بيد انه غير مصرح به مبينا ان المواقف المتشددة الرافضة للحوار تفتعلها الاحزاب وهي تنظر للمظاهرات وتحركات الخارج، وقال: “قد ادرك البعض أن الرهان ومع طول الوقت غير مضمون العواقب وعرفوا ان الشباب في الشارع ليسوا معهم خاصة في ظل تعرض خالد نفسه وابراهيم الشيخ من قبله لهتافات معادية خلال التظاهرات فضلا عن الخلافات في الحزب الشيوعي.
فن الممكن
وأرجع الوالي السابق لوسط دارفور محمد أحمد جاد السيد تصريحات خالد الى انها تصريحات سياسية من واقع ان السياسة هي فن الممكن، مبينا ان التصريحات تعبر عن ما تكنه سرائر قوى الحرية والتغيير ولكن لم يستطيعوا البوح بها إلا بعد ذهاب سكرة الحكم ،وقال: “الرجوع إلى الحق فضيلة والشريعة لها بحكم الظاهر” وأضاف: “نحن في السودان محتاجون للخطاب العقلاني الداعي للوحدة والتسامح ولم الشمل من أجل وطن يسع الجميع لأننا سواسية فيه وليس لأي مكابر ان يدعي بانه يملك ناصية القول وإرادة الشعب واجماعهم”. ودعا لاهمية ترك المغالاة والتعنت والاقصاء والبحث عن الاجماع بقدر المستطاع ولمن استطاع. وقال: “حديث خالد عمر وإن أتى متأخراً لكنه خير، وعلى بقية الأحزاب أن تتبع ذلك وتدعو لكلمة سوء من أجل الأمن والسلام ولم الشمل والحفاظ على السودان من التشرذم والضياع”.
موضوعية وشجاعة
وتناول قنصل السودان السابق لدى جمهورية إفريقيا الوسطى المختص في الدراسات الأمنية والدبلوماسية ياسر بطران الأمر من ناحية مختلفة وهو يشير إلى ان أحاديث خالد عمر سواء في اللقاءات العامة أو في وسائل الاعلام يلاحظ انه دائما يتحلى بالشجاعة والموضوعية وأحيانا جلد الذات الأمر الذي سبب له بعض الاشكالات مع الثوار الذين يريدون حديثا تعبويا وهتافا ثوريا خاصة أن الدعوات للمليونيات مازالت قائمة ..وقال لـ(الحراك): “خالد سياسي واقعي يستحق الاحترام عكس رئيسه في الحزب إبراهيم الشيخ رغم تقدمه في العمر إلا أنه مازال في طور المراهقة السياسة وما حديثه عن الاشتباك بالأيدي مع السيد نائب رئيس مجلس السيادة ببعيد عن الأذهان” ولفت إلى ان تصريحات خالد أعادت للمشهد السياسي بعض العقلانية وكان بمثابة ضوء في آخر النفق.
نقد الذات
ومضى القيادي بحركة العدل والمساواة السودانية بقيادة دبجو نهار عثمان نهار في ذات الاتجاه عندما قال: “يحمد للأستاذ خالد عمر يوسف هذه الشجاعة في نقد الذات وما قاله يعتبر موقفاً متقدماً وصحيحاً، خاصة اذا كان يمثل الرأي الرسمي للحزب الذي ينتمي اليه” وأضاف “وأن تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي” معتبراً ان التصريحات تمت في اطار المراجعات الجادة والحقيقية، وقال “الصراحة والشفافية التي حوتها تصريحاته، تعني فتح صفحة جديدة في التعاطي مع الأزمة السياسية في البلد” واضاف: “يجب تشجيع هذه الخطوة والبناء عليها لاصلاح ما يمكن اصلاحه من تركة ثلاث سنوات من الاقصاء والكراهية”.
تلون سياسي
لكن الوزير السابق للرعاية والضمان الاجتماعي رئيس حزب الأمة الاصلاح والتنمية ابراهيم آدم يرى ان تصريحات خالد عمر جاءت ضمن عملية التلون السياسي، وقال حديث خالد غير مستغرب لأي متابع يدرك تميز خالد عمر واقرانه بالتلون السياسي وتغيير المواقف وفق ماتمليه عليهم دوافعهم” وأضاف: “خالد عمر وقف في منصة الاعتصام مخاطبا ان الحكومة القادمة ستكون حكومة تكنوقراط مستقلة لا محاصصات حزبية فيها وقال انه لن يقبل بغير ذلك ورغم ذلك الوعد الاخلاقي عاد وأصبح الوزير الأول في مجلس الوزراء وغيرها من المواقف المتقلبة طبق الممارسة السابقة لحكومة سلك وزيرها الأول.
تأثير من جهة ما
ويرى الأستاذ بجامعة الزعيم الازهري د. إبراهيم عبدالله بدر ان التغيير الطاريء والمفاجيء في المواقف والتصريحات لخالد عمر مجافيا للمنطق وقال: “تفسيري لما حدث هو أن جهة ما قد اقنعت خالد لتبني هذه المواقف المعتدلة وتم إعداد ذلك الموقف له وتلميعه حتى يناسب موقعا ما معدا له لاحقا” وأضاف: “هناك من يريد ان يخلق لخالد عمر شخصية وسطية معتدلة في الآراء والمواقف والايام القادمة سيشهد الناس مزيداً من السمكرة و التلميع لهذه الشخصية”.
تقرير: محجوب عثمان
صحيفة الحراك السياسي