عثمان جلال يكتب: التيار الإسلامي ومكر التاريخ
(1)
بعد رفع مذكرة الجيش الشهيرة في فبراير 1989 والتي أنهت التجربة الديمقراطية الثالثة 1986 إلى 1989م، وجعلت خيار القوة الصلبة الأصل بدلا عن التدافع الديمقراطي، عندها اضطرت الحركة الإسلامية للصعود للحكم في يونيو 1989م استباقا لانقلاب عسكري يساري، أو زحفا عسكريا شاملا كان تخطط له الحركة الشعبية بقيادة الدكتور قرنق لإسقاط السلطة المركزية وتغيير الهوية السياسية والثقافية في السودان.
وأكدت التجارب في تركيا والجزائر وفلسطين ومصر وتونس أن الغرب والأنظمة الاستبدادية والاقطاعية في المنطقة لن يسمحوا للديمقراطية أن تلد مولودا إسلاميا في السودان والا سارعوا لإجهاضه ووأده لادراكهم خطورة نجاح هكذا تجربة مرتكزة على قوامة المجتمعات في الحكم، والإسلام بمغزاه الحضاري الشامل، وإمكانية تمددها في المحيط العربي والشرق أوسطي وبالتالي إنهاء معادلة الحكم التاريخية التي تشكلت عقب الاستقلال، مما يعني تهديدا وجوديا لإسرائيل، وأمن إسرائيل الاستراتيجي مرهون باستمرار أنظمة الاستبداد في المنطقة والأخطر أن نهوض تجربة حكم مؤسسة على هوادي الدين الشامل تتصادم مع التجربة الغربية المعاصرة المشيدة على مروق الدين من مشاريع النهضة الحضارية واختزاله في الطقوس الكنسية.
(2)
الإسلاميون في السودان بارعون في التكتيك لم يدركوا مغزى هذا التحدي الحضاري فبدلا من أن تكون المحافظة على تجربة الحكم الإسلامية وتعهدها بالإصلاح المتدرج والصبور من الداخل، وصيانتها من مخاطر السقوط الغاية الاستراتيجية طفقوا في إضعاف التجربة عبر المفاصلات المتكررة والتي أدت إلى انسحاب أهل الولاء الفكري والعقدي، وصعود مجموعات المصالح، وثالثة الاثافي تحولت هذه التيارات والأحزاب التي غادرت منصات الحكم، ومعها تيارات المصالح التي حول الرئيس السابق البشير إلى جماعات وظيفية وحصان طروادة للمعارضة اليسارية والعلمانية في الداخل، والمحاور الإقليمية والدولية حتى أسقطوا التجربة، ثم ولت تريغ الغيث والغيث خلفت وتطلب ما قد كان في اليد بالرجل وقديما قيل أن معاندة التاريخ حمق وقلة عقل.
(3)
لم يكتف المحور الإقليمي والدولي بإسقاط تجربة الاسلاميين في الحكم بل نزع إلى توظيف قحت المجلس المركزي البائسة لاستئصال شافتهم وقفل الطريق أمام عودتهم لدائرة التأثير الفكري والسياسي والاجتماعي ولو عبر الرافعة الديمقراطية، إن رمزية وجود الرئيس السابق البشير والشيخ ابراهيم السنوسي والدكتور علي الحاج في السجن، ونبذ الخلافات، ووحدة تنسيق المواقف السياسية والإعلامية بين الاسلاميين في مواجهة قحت المجلس المركزي البائسة حتى سقطت غير مأسوفا علبها تنم عن وحدة التاريخ والمصير والمآل للتيار الإسلامي فهل واجب التيار الاسلامي تطوير التنسيق ووحدة المواقف إلى وحدة استراتيجية ام إعادة تدوير التاريخ والتهافت للتحالف مع ذات الأحزاب السياسية البائسة التي تنزع دوما لاستئصال الاسلاميين؟؟ إن الغباء هو فعل الشيء مرتين بذات الأسلوب وانتظار نتائج مختلفة!! وقديما ذكر الفيلسوف الالماني هيغل إن التاريخ ماكر ويضمر الشر لمن لا يتعظ منه!!
(4)
ان وحدة التيار الإسلامي الوطني بكل ميراثه الفكري والسياسي وتراكم تجربته وقاعدته الاجتماعية الأكثر انتشارا وتأثيرا تشكل البداية الواثقة لاستعادة الثقة بين القيادة والقواعد، والثقة مع المجتمع السوداني العريض وإعادة توازن القوى مع التحالفات السياسية الماثلة وإستعادة المباداة والفاعلية في قضايا البناء الوطني والديمقراطي، والمبادأة في اعادة رسم خارطة التحالفات الاستراتيجية والدفع في تجاه تحرير الثورة السودانية من خطر الثنائيات والاختطاف الداخلي،وتحريرها من الأجندة الخارجية الخبيثة، وبالتالي البداية الواثقة لتشكيل الكتلة التاريخية الحرجة لصيانة الوحدة الوطنية من مخاطر التفكك والتشظي، وبناء النموذج الديمقراطي المستدام وضمان استمرار التيار الإسلامي الوطني شريكا فاعلا ومؤثرا في هذا المشروع الديمقراطي.
صحيفة الانتباهة