“اسكتشات” بمجهودات فردية… أين تقف الدراما السودانية؟
ظلت الدراما السودانية متأخرة عن نظيراتها العربية والأجنبية، وحتى الأفريقية، في ظل حكومات بعضها كانت متشددة وغير مرنة، وأخرى متقلبة وغير ثابتة، ما جعل المنتجين يتخوفون من إهدار أموالهم في إنتاج مسلسلات ربما تفشل أو تقابل بالرفض.
وعلى الرغم من أن دراما السودان منذ أول مسلسل عام 1968 شكلت حدثاً مهماً وأنتج التلفزيون حينها أكثر من 15 عملاً أبرزها “سكة الخطر”، و”دكين”، و”أقمار الضواحي”، و”الدهباية”، و”الشاهد والضحية”، و”بيوت من نار”، مازالت في ذاكرة الشعب السوداني، فإنه وبمرور الزمان حدث تدهور في هذا القطاع، الذي ظل يعاني لسنوات طويلة.
بعد غياب لسنوات طويلة، ظهر المنتجون بعدة مسلسلات خلال العامين الأخيرين، بعضها وجد قبولاً كبيراً، وبعضها وصف بأنه لا يعكس الواقع الحقيقي. واعتبرت أغلب المسلسلات كوميدية لا تعكس معاناة الشعب ولا عاداته وتقاليده كما يجب.
محلك سر
في هذا السياق، قال نوح السراج، رئيس قسم الفنون والمنوعات والثقافة بصحيفة “التيار”، إن “الدراما السودانية تظل محلك سر من دون تطور أو تقدم، والسبب في ذلك أنها دراما موسمية تنشط في شهر رمضان، وحتى الأعمال التي تقدم الآن ليست في المستوى المطلوب، وتفتقد أهم مقومات صناعة الدراما، سواء على مستوى الفكرة أو الإخراج أو التمثيل أو تقنية الصوت.
وأضاف السراج، أن الممثل السوداني لا يزال يفتقد كاريزما الفنان، الذي يمكن أن يقنع المشاهد بأداء دوره لتكتمل صورة العمل الدرامي، مستدركاً، “لكن في الحقيقة أجد العذر للممثل السوداني، لأنه يجد فرصة ممارسة التمثيل مرة كل سنة، وتكمن المشكلة في عدم وجود دراما سودانية طول العام ما يخل بأداء الممثل”.
وأشار إلى أهمية الممارسة بصورة واسعة للممثل، وأنها يمكنها أن تصلح كثيراً من الأخطاء، التي يمكن أن يقع فيها، “ولذلك دائماً ما نشاهد الممثل السوداني يظهر في الأعمال الدرامية بلا روح وكأنه مجبر على أداء الدور، وبالطبع ما ينطبق على الممثل ينطبق على بقية الفريق العامل بمن فيهم المخرج”.
الدولة ترفع يدها
وعن الأعمال الدرامية هذا العام، يرى السراج أن “الدراما السودانية تحتاج لزمن طويل واستمرارية وإنتاج ضخم بدعم مالي كبير حتى تصل لمصاف الدراما المصرية، على الأقل، وهذا لا يأتي إلا بوجود شركات للإنتاج ودور للعرض، حيث إن قنواتنا فقيرة جداً لا تقوى على الإنتاج ولا حتى على شراء مسلسل”.
وأشار إلى أن “تلفزيون الدولة رفع يده عن إنتاج أعمال درامية، ولذلك ستظل الدراما السودانية تعاني طالما أنها تفتقد أهم مقومات الصناعة، وسيظل حالها محلك سر من دون أي تطور يُذكر، والدليل أن ما نشاهده في رمضان الحالي من أعمال لا يعدو كونه مجرد اسكتشات صغيرة أنتجت بمجهودات فردية، ونشعر بفرق كبير بينها وبين المسلسلات العربية، وهذا ما يحز في النفس”.
وأوضح السراج، “أن الدراما السودانية ضعيفة في كل شيء من كل النواحي، التقنية والفنية، ولا مجال لها في الوقت الحالي، ولا بعد سنوات، لمنافسة الأعمال الدرامية العربية”، لافتاً إلى أن الإنتاج السوداني من الدراما هذا العام لم يتجاوز أكثر من ثلاثة أو أربعة أعمال، لا تساوي في مجملها مسلسل واحد من المسلسلات المصرية”.
إشكالات تعترض التطور
إشكالات عديدة تعترض طريق تطور الفنون في السودان. الصحافي محمد إبراهيم قال، “في الماضي أُنتجت أعمال درامية، على الرغم من أنها لم يكن لديها القدرة على المنافسة عالمياً، لكنها ظلت حتى الآن راسخة في وجدان السودانيين”، مضيفا، “أما الأعمال الحالية فلم تقدم الشخصية السودانية بكل صفاتها المعروفة، ولم تبرُز قيم إنسانية أو سلوكية داخل المجتمع”.
وأضاف إبراهيم أن الأعمال الحالية تعتمد على الأعمال القصيرة، “وهو شكل رتيب ومبتذل، حيث تكون فيه الدراما عبارة عن نكتة، ورأينا أبطال الأعمال الدرامية خلال الفترة الأخيرة لا يعبرون عن الشخصية السودانية. أبرزت المسلسلات شخصيات مثل فضيل، وربيع طه، وجلواك، الذين كانوا يقدمون دراما للإضحاك فقط”.
واعتبر إبراهيم أن “الدراما السودانية الآن لا تتناول الواقع كما هو، فالمجتمع السوداني فيه ثراء اجتماعي وقيمي، والسلوكيات ليس بالضرورة أن تكون كلها إيجابية، دور الدراما هنا إبراز المتناقضات الموجودة داخل المجتمع، والتي تنتج عنها إشكالات اجتماعية. دورها أن تسلط الأضواء تجاه هذه المشاكل. وهي ليست مطالبة بإيجاد الحلول”.
وعن مشاكل الدراما كصناعة، قال إبراهيم، “مازالت الدراما السودانية تفتقر الكثير جداً، وكمثال هذا العام تم بثّ مسلسل (سكة ضياع)، سيناريو المسلسل جيد إلى حد ما، ولكن مناقشة المشاكل الاجتماعية كانت كثيفة، ما يجعل تلك التفاصيل ضائعة، فقد ناقش العلاقات الشرعية المحرمة والأطفال اللقطاء وأطفال الشوارع وقضاياهم وناقش عمالة الأطفال وتجارة الأطفال. هذه الكثافة جعلت المتلقي ضائعاً”. وأشار إلى جرأة الطرح بأن “أشياء ظهرت لم تكن موجودة في الدراما السودانية، حيث أول مرة نرى زجاجة خمر، مع المصطلحات المستخدمة، والتي أغلبها مجرم اجتماعياً ونقله للدراما غير مستحب”.
خوف من الإنتاج
إنتاج الدراما كصناعة فيه كثير من المشكلات المتعلقة بفريق العمل، مثل جودة الكاميرات ورؤية المخرج والصوت ومواقع التصوير كلها مشكلات تواجه الدراما السودانية، ولم نستفد من عمليات تراكم درامي بسبب وجود فترة انقطاع ولدت عدم وجود دراما بالصورة المطلوبة لخدمة قضايا المجتمع”. كما يقول الصحافي محمد إبراهيم.
وعن الحلول، فيرى إبراهيم أنها “كثيرة يجب أن توضع على الطاولة وتناقش للنهوض بالدراما السودانية”، مضيفاً أن “الدراما فعل إبداعي صناعي، إذا توفر الإبداع ولم تتوفر الصناعة أو العكس لن نشهد أي نجاح، لأن إنتاج الجمال محتاج لعمل تراكمي لخلق كوادر مؤهلة من مخرجين وكتاب سناريو وممثلين”. وشدد على أهمية توافر “صناعة وإنتاج”، إما عن طريق مؤسسات القطاع العام، أو القطاع الخاص، متمثلة في شركات الإنتاج الفني، لكن “الشكل البائس جعل المنتجين يتخوفون من إنتاج دراما خاصة”.
في الوقت الذي يلقي فيه الجميع اللوم على المنتجين، يرى عباس طه، وهو منتج تلفزيوني، أن “عملية إنتاج المسلسلات تحتاج لجهد ضخم وتمويل كبير حتى يتم عرض أعمال تُرضي المشاهد، وبسبب الأزمات الاقتصادية المتتالية، أصبحت الشركات لا تخاطر في رعاية مسلسلات ربما تفشل. والخوف من المخاطرة راجع لعدم وجود دراما سودانية مستمرة، لذلك يجب أن نخرج جميعاً من حالة الخوف والعمل على المخاطرة حتى ننعم بمستقبل أفضل”.
إندبندنت عربية