سياسية

بعد مرور 3 سنوات على رحيله… “لعنة البشير” تطارد الثورة السودانية

تمر امس الذكرى الثالثة لعزل الرئيس السوداني السابق عمر البشير، الذي ظل قابضا على زمام السلطة لثلاثة عقود، في ظل عزلة دولية وحصار مستمر ومطاردات قضائية بينما كانت البلاد تعاني مما يشبه الحرب الأهلية.

وبعد اندلاع الثورة ورحيل “حكم الإنقاذ”، تفاءل الكثيرون بأن البلاد يمكن أن تشهد تغيرا جذريا وهو ما يطرح تساؤلا حول التغيير الذي حدث في السودان طوال السنوات الثلاث الماضية مقارنة بما كان سائدا في العهد السابق.

بداية يقول السياسي السوداني خضر عطا المنان، توقعنا بعد رحيل البشير أن يكون هناك تغيير جذري لأن الثورة كانت شعبية، ولم يكن هناك انقلاب عسكري، لكن عاد العسكر إلى السلطة بانقلاب وشخوص جدد في 25 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، بمواجهة وأشخاص جدد.

اختلاف الوجوه
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك” أن الموجودين على رأس السلطة الآن هم نفس العسكر مع اختلاف الوجوه والأسماء، وهو الحكم الذي ظل يحكم البلاد لمدة ثلاثة عقود قبل أن ينهيه الشعب في 11 أبريل/ نيسان من عام 2019، حيث أن هؤلاء تربوا في حجر النظام السابق وحصلوا على الرتب العسكرية العليا من خلاله، وبالتالي تعثرت الثورة ولاقت الكثير من المعوقات.

وتابع: “لكن إصرار الشعب ووجوده بالشارع ورفضه للوضع المفروض عن طريق ما يعرف بالمليونيات التي تتجدد بصورة منتظمة وتتسع دائرتها، وبكل تأكيد أن تلك الاحتجاجات أرسلت وما زالت ترسل الرسائل للمنطقة والعالم ولكل المهتمين بأمر السودان وما يجري على أرضه، بأن هذه الثورة لن تموت أبدا وسوف تظل جذوتها مشتعلة إلى أن تتحقق كامل أهدافها.

وأوضح المنان أن إصرار العسكر على البقاء في السلطة، تهدف أساسا إلى حماية أنفسهم، لضلوعهم في الجرائم التي تم ارتكابها في العام 2003 في دارفور، لذلك هم يستميتون للبقاء في السلطة لحماية أنفسهم من المحاكمات والمساءلات القانونية داخليا وعلى المستوى الدولي.

المؤشرات الاقتصادية
أما على المستوى المعيشي فيقول الخبير الاقتصادي السوداني محمد الناير: “لو قارنا المؤشرات الاقتصادية الحالية على ما كانت عليه قبل ثلاث سنوات، فإن الوضع قبل ثلاث سنوات كان الأفضل رغم أن السودان كان في عزلة من المجتمع الدولي وتحت قائمة الدول الراعية للإرهاب وحظر اقتصادي أمريكي لأكثر من عقدين من الزمان والذي رفع في عهد البشير في يناير/ كانون ثاني من العام 2017 وتم ذلك جزئيا بقرار من الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وتم الرفع الكلي للحظر بقرار من الرئيس السابق دونالد ترامب في أكتوبر/ تشرين أول من نفس العام”.

وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”: “رغم أنه قد تم رفع الحظر الاقتصادي الأمريكي عن السودان في ظل نظام البشير، إلا أنه لم يتم تفعيل المصارف والبنوك بصورة كبيرة والتحويلات المصرفية، كما تم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية بعد الثورة، بعد دفع ثمن غالي وتحمل العبء الشعب السوداني متمثلا في التعويضات التي دفعت للمدمرة “كول” الأمريكية وتفجير سفارتي واشنطن في نيروبي ودار السلام، تلك التعويضات دفعت من أموال الشعب السوداني وتسببت في فترة من الفترات في ارتفاع أسعار الدولار في السودان بسبب شراء الدولار لدفع التعويضات للإدارة الأمريكية”.
صندوق النقد

وتابع الناير: “رغم كل ذلك أجبر المجتمع الدولي الحكومة في المرحلة الانتقالية على تنفيذ روشتة قاسية جدا على المواطنين تمثلت في رفع الدعم عن كل السلع والخدمات، وهذا الأمر أرهق المواطنين وأدى إلى تدهور في صرف العملة الوطنية من جهة وارتفاع معدلات التضخم بصورة كبيرة وتآكل وضعف القوة الشرائية للعملة الوطنية”.
وأضاف: “أصبحت المرتبات والأجور ضعيفة جدا مقارنة بالوضع الذي كان في السابق قبل الإطاحة بالبشير، وكل هذا حدث خلال الفترة الانتقالية بسبب الالتزام بتنفيذ روشتة صندوق النقد الدولي، دون وجود آليات حمائية من قروض ومنح لمعالجة الكثير من القضايا الاقتصادية لحماية الفئات الفقيرة والضعيفة”.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أنه حتى الآن في ظل حكومة عبد الله حمدوك الأولى والثانية أو بعد قرارات 25 أكتوبر 2021، لا تزال الدولة تسير بنفس السياسات ولم تحصد أي شىء من المجتمع الدولي، وانصياع الدولة بالكامل لتوجهات صندوق النقد الدولي حتى الآن بتلك الطريقة دون أن يكون هناك مقابل.
وتابع: “هذا أمر مستغرب بالفعل، وأي دولة في العالم قامت بتنفيذ روشتة صندوق النقد، تم التعامل معها وإعطائها منح وقروض سواء من البنك وصندوق النقد الدوليين أو بنك التنمية الأفريقي، أو بنك التنمية الإسلامي بجدة والدول الصديقة والشقيقة”.

وأضاف: “هذا ما حدث مع النموذج المصري على سبيل المثال، أما ما قام به السودان من تنفيذ كل الروشتة دون أن يحصل على مقابل فقد أوصل نسبة الفقر بالبلاد لما يقارب 80 في المئة، علاوة على ارتفاع معدل البطالة لأكثر من 40 بالمئة ووصول معدل التضخم لمستويات لم يشهدها تاريخ السودان”.

الفترة الانتقالية
وأرجع الناير السبب في ما يحدث إلى أن الفترة الانتقالية لم تعمل وفق روشتة أو المهام الخاصة بالفترة الانتقالية، فمن المعروف أن الفترات الانتقالية في كل دول العالم تدار عبر حكومة كفاءات مستقلة ليس لها أي انتماءات حزبية، تعمل على إصلاح الوضع الاقتصادي وتحسين معاش الناس وتهيئ المناخ لانتخابات حرة نزيهة بنهاية الفترة الانتقالية.

وتابع: “لكن بكل أسف كل ما سبق لم يحدث في السودان وتشكلت حكومة محاصصات حزبية، وانصب اهتمامها على قضايا جوهرية ليست من مهام الفترة الانتقالية، هذا ما عقد المشهد بصورة كبيرة.
لعنة البشير

بدوره يرى المحلل السياسي السوداني ربيع عبد العاطي، أن “رحيل البشير كان خصما من حياة الشعب السوداني”، ومنذ ذلك التاريخ بدأ الإنهيار بشكل متسارع وشمل العلاقات الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية، وازداد الفقر وتفشت المعاناة وظهر الفساد في كل أوجه الحياة.

وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”: “كان الأمل يحذونا بأن تعود الأوضاع لما كانت عليه، ولكن فيما يبدو بأنه أمل لن يتحقق، بدلالة أن الناس باتوا يخشون على ضياع الدولة وانهيار المجتمع بعد أن سقطت هيبة الدولة وتفشى الخراب وسادت الكراهية في ثنايا المجتمع الذي كان مضربا للمثل في التسامح وسمو الأخلاق وكريم الطباع، فقد كان رحيل البشير عقابا لأهل السودان وحسدا لما كانوا فيه من نعمة وأمن ورفاه.
ويشهد السودان احتجاجات متواصلة في عدة مدن وولايات مختلفة، تلبية لدعوات من قوى سياسية تعارض الإجراءات التي اتخذها رئيس المجلس السيادي في البلاد عبد الفتاح البرهان، في 25 أكتوبر، التي كان أبرزها حل المجلس السيادي وإعادة تشكيله.

سبوتنك